حوار حول مشروع القانون المتعلق بممارسة الحق في الإضراب مع الرفيق الإدريسي عبد الرزاق
![حوار حول مشروع القانون المتعلق بممارسة الحق في الإضراب مع الرفيق الإدريسي عبد الرزاق](https://i0.wp.com/annahjaddimocrati.org/wp-content/uploads/2025/02/drissi-1.jpg?fit=731%2C567&ssl=1)
الرفيق الإدريسي عبد الرزاق مرحبا بك ضيفا الجريدة النهج الديمقراطي في هذا الحوار حول مشروع القانون المتعلق بممارسة الحق في الإضراب.
منذ سنوات والدولة المغربية تسعى لتمرير القانون التكبيلي للحق في الإضراب وفشلت، ما الذي استجد هذه السنة من شروط اجتماعية دفعت الحكومة لإخراجه؟
هناك عوامل متعددة أهمها ما نتج عن سياسات الدولة من أزمة اقتصادية خانقة وهجومها الكاسح عن المكتسبات الاجتماعية وتدهور الأوضاع العامة للشعب المغربي وتزايد الاحتقان الاجتماعي، والعجز التام للحكومة على توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، مما جعلها تسعى للحد من إمكانيات ردود فعل محتملة للشغيلة والطبقة العاملة بنزع سلاحها الأساسي وهو الإضراب عن العمل.
وهناك عامل آخر وهو ميزان القوى المختل لصالح الرأسماليين والمُشغلين مما شجَّع الحكومة على الإقدام في هذا الوقت بالذات على هذا الهجوم غير المسبوق على الحريات النقابية والحقوق الشغلية وعلى رأسها حق الإضراب.
ثم هناك الطبيعة الطبقية للحكومة الحالية التي هي أكثر من أي وقت مضى حكومة الباطرونا وأصحاب الشكارة والرأسمالين، ونفس الأمر بالنسبة للمؤسسات التشريعية المزيفة واللاديمقراطية واللاشعبية… هذا من جهة وفي المقابل نجد مع الأسف ضعف المركزيات النقابية، كما أن الطبقة العاملة والشغيلة بشكل عام، إما غير منظمة نقابيا والجزء القليل منها المنتمي للنقابات تجده مشتتا وغير موحَّد ومهمَّش وغير فاعِل بالقدر الكافي في هاته الإطارات، وحين يكون هذا الجزء المنتمي للنقابات فاعلا تجده يناضل من أجل تحقيق بعض المطالب الآنية والمباشرة وفي بعض الحالات المطالب الفئوية المحضة فقط…، كما هو الأمر في قطاعات التعليم وغيره.. وهذا ما يفسر نسبيا ضعف المشاركة وضعف التعبئة وسط الشغيلة لمواجهة الهجومات الرجعية والتراجعية الخطيرة والكبيرة وبالتالي هناك ضعف في تعبئة أوسع المعنيين والمعنيات، بل أننا لا نعبئ إلا الجزء القليل من الطاقة الكامنة وسط هاته التنظيمات نفسها رغم تواجدها التنظيمي المنتشر والواسع… طبعا هناك أسباب كثيرة ومعروفة لضعف تأطير النقابات للعمال والعاملات والشغيلة عموما لا يتسع المجال هنا للتدقيق فيها.
وطبعا هناك أسباب سياسية جوهرية وهو عدم انتظام الطبقة العاملة سياسيا وغياب حزب الطبقة العاملة القوي الذي يمثلها ويدافع عن مصالحها ويواجه المخططات التي تستهدفها. مما جعل الباطرونا والطبقات السائدة يخلو لها المجال للمزيد من استغلالها والهجوم على مكتسباتها.
إذن الحكومة المغربية استغلت ميزان القوة الذي هو في صالحها وأنزلت مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب.
مشروع القانون الحالي يمس ويُقيِد أهم سلاح نقابي في يد الشغيلة والمأجورين والعمال، ألم يكن هذا حافزا للحركة النقابية المغربية لتوحيد نضالاتها على أرضية موحدة؟
في ظل القمع المسلط على الطبقة العاملة بالمغرب وتعسف وبطش السلطات والباطرونا كانت ممارسة الإضراب من طرف الشغيلة في الغالب صعبة، ومع القانون الجديد سيجعل ممارسة هذا الحق مستحيلا.
وهذا كان من المفروض أن يشكل سببا كافيا ليجعل النقابات ترد ردا قويا بهدف إسقاط هذا المشروع التكبيلي للإضراب، لكن ما أشرت إليه في جوابي على السؤال الأول بخصوص الوضع الذاتي للنقابات من ضعف التأطير وتشتت العمل النقابي وسيادة الحسابات الفارغة في علاقاتها عموما، كل هذا حال دون رد حاسم يوقف هذا المخطط. لكن أعتبر أن الأمر ممكن معالجته بالمزيد من التنظيم والإلحاح والتعبئة والإقناع والصبر والعمل أكثر وأحسن وبشكل وحدوي وتضامني وبدون حسابات ضيقة وبالانحياز الكامل والواضح والصادق لقضايا الطبقة العاملة والشغيلة ببلدنا..
وهذا ما هو ملموس مثلا عندنا في قطاع التعليم حيث بهذه القناعة دعت الجامعة الوطنية للتعليم FNE التوجه الديمقراطي لاجتماع بالرباط يوم الأحد 10 شتنبر 2023، وتم تشكيل التنسيق الوطني لقطاع التعليم، والذي جمع عددا من التنسيقيات والجمعيات التعليمية وFNE، وكان الحراك التعليمي حراكا قويا وحدويا شاركت فيه أوسع نساء ورجال التعليم داخل مقرات العمل وعلى المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والوطني والمركزي والفئوي، وكانت الإضرابات ناجحة بنسب عالية وغير مسبوقة، والاحتجاجات القوية والخلاقة بمشاركة واسعة للنساء والرجال والشبان والشابات، واستطاع الحراك أن يُسقط ويُلغي نظاما أساسيا تمت المصادقة عليه، في غيابنا، بل وصدر بالجريدة الرسمية، وتم نسخه بنظام أساسي جديد ألغى التراجعات واستجاب لعدد من المطالب وكانت اتفاقات، أكيد أنها غير كاملة لكنها مهمة، وتمت زيادات في الأجور والتعويضات وتمت معالجة ملفات عمرت طويلا.. ولا زالت المتابعة من أجل استكمال تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ومعالجة الأمور العالقة… ما أريد إثارة الانتباه إليه في هذا السرد التاريخي هو أن العمل الوحدوي الجاد والصادق يحقق المكاسب، يكفي أن تتوفر الإرادة لدى الجميع، وأظن أن ما يجري اليوم هو مسألة حياة أو موت بالنسبة للنقابات وكل القوى الديمقراطية والتقدمية، فلم يعد لديها خيار في الحقيقة إلا الاستمرار في النضال وتحسين شروطه لتغيير موازين القوى لأنها لا تتغير إلا بالتنظيم وبالنضال والمقاومة.
الأستاذ الإدريسي، لماذا في نظركم لم يتم منذ البداية مواجهة قانون الإضراب بخوض إضراب؟
إن هذا الخيار لازال يفرض نفسه، وهو الآلية الأساسية التي يمكن بها إسقاط هذا المخطط الذي يستهدف الشغيلة والنقابات، وعدم الإقدام على هذه الخطوة النضالية ترجع أسبابه أيضا لما أشرت إليه سابقا في تحليلي للوضع الذاتي للنقابات. الإضراب العام يتطلب جرأة اتخاد القرار المستقل والإرادة والقدرة على التعبئة ومستوى متقدم من الوحدة النضالية. وهذا لا زلنا نفتقده لكنه ليس مستحيلا الوصول إليه.
إن هذا الهم، ودفاعنا على مصالح الطبقة العاملة وإيماننا أنها قادرة على العمل الوحدوي، واقتناعنا أن موازين القوى يمكن تغييرها لكن لا يتم ذلك إلا بالنضال وفي معمعان الصراع المنظم، هي التي جعلتنا كجامعة وطنية للتعليم FNE التوجه الديمقراطي ندعو إلى اجتماع5 ماي 2024 بالرباط بمقرFNE ، حيث تم تشكيل الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد FMCLGR التي نظمت عدة فعاليات تعبوية وإعلامية واحتجاجية دفاعا عن النضال النقابي المنحاز فعلا لصالح الشغيلة والمتشبث بعمق بقضايا الطبقة العاملة. وأملنا أن تنجح المبادرات الحالية في تغيير الوضع بما يقوي قدرة الطبقة العاملة على الوقوف ضد هذا المخطط الخطير الذي يستهدف تركيعها واستعبادها.
وعلى الحركة النقابية المغربية الصادقة أن تتوحد أكثر وتعلن عن الإضراب العام الوطني وتعمل من أجل توقيف هذا النزيف الذي يستهدف العمل النقابي بشكل عام.
ما هي آفاق المقاومة والنضال للوقوف ضد تمرير هذا القانون أو إسقاطه في حال تم تمريره؟
الوقوف على ما حصل خلال الحراك التعليمي نهاية 2023، والذي هو نتيجة تراكم تجارب طويلة ومتفاوتة..، يمكن أن نأخذه كنموذج، لكن بشكل أوسع وأشمل..، فيما نحن بصدده من هجومات على مصالح الطبقة العاملة المغربية والشغيلة وخصوصا في ملفي القانون التكبيلي والتجريمي لممارسة الحق في الإضراب وكذلك قانون التقاعد التراجعي (وفق الثالوث الملعون: 1- العمل أكثر وبشكل جبري 2- المساهمة أكثر= تنقيص الأجر، 3- الحصول على معاش أقل..)…
لكن علينا أن نستحضر أن معركة الدفاع عن الحق في الإضراب ليست معركة نقابية محضة. هي معركة سياسية بالأساس، ممارسة الإضراب هو أحد وسائل الصراع الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة ضد الطبقات المهيمنة، لهذا على الأحزاب التقدمية أن تدخل حلبة الصراع وتقوي كل جبهات النضال التي تفتح من أجل إسقاط هذا المخطط الذي يستهدف افتراس الطبقة العاملة. جبهات منها السياسية المباشرة وأيضا النقابية والحقوقية والإعلامية وغيرها، مطروح الآن على كل من له غيرة على الطبقة العاملة ومؤمن بحقها في التنظيم والنضال أن يساهم في تنظيمها سياسيا ونقابيا وفي رفع وعيها بالمخاطر المحدقة بحقها في الإضراب، ورفع وعيها بالأهمية الكبرى لممارسة حق الإضراب في حياتها وفي مستقبلها.. وأن يساهم في مواجهة السياسات التراجعية وعلى المساهمة في التقليل من هاته التراجعات الرجعية، وحتى إذا مُرِّرَت وجب علينا جميعا الاستمرار في النضال بمختلف الأشكال الوحدوية وبقوة من أجل إلغائها…، فالمعركة لن تنتهي بتمرير هذا القانون الرجعي، بل هي تبدأ من جديد وإن في شروط سيكون فيها النضال صعبا لكن غير مستحيل، فما لا يتأتى بالنضال يتأتى بمزيد من النضال…