نحو استعادة اليسار المناهض للرأسمالية بريقه
لقد عانى اليسار في العالم، منذ ثمانينات القرن الماضي، من هيمنة الفكر الاصلاحي وسطه. غير أن الأوضاع العامة في العالم بدأت تتغير لصالح اليسار المناهض للرأسمالية، خاصة مع انفجار أزمة الرأسمالية، سنة 2008، وجائحة كوقيد- 19:
– هكذا يتأكد، أكثر فأكثر، تعفن الرأسمالية وتهديدها للبشرية بالفناء وبالتالي الضرورة القصوى لتجاوزها.
– وفي وقت تخوض فيه الرأسمالية صراعا طبقيا، لا هوادة فيه، ضد الطبقة العاملة وعموم الكادحين وجزء هام من الطبقات الوسطى، أصبح من الصعب نشر أوهام اصلاحها ونفي مركزية الصراع الطبقي الضروري لمواجهتها والاكتفاء بالنضال المجزء في الحركات الاجتماعية والحركات الشعبية، بل صار من الضروري والملح بناء أدوات نضال الطبقة النقيضة لها، الطبقة العاملة( الحزب المستقل عن البرجوازية) وبناء الجبهة الشعبية الواسعة وإيجاد تمفصل سديد بينهما والحركات الاجتماعية.
– كما يتأكد أن الماركسية هي النظرية القادرة على فهم قوانين الرأسمالية وتوفير أدوات تجاوزها، شريطة اعتبارها منهجا للتحليل ونظرية في التغيير الثوري، وضع ماركس وأنجلز حجرها الأساس، والتي تغتني باستمرار على ضوء الممارسة النضالية وبالاستفادة من التطور العلمي.
– لقد أفلست الاشتراكية الديمقراطية، سياسيا بسبب خياناتها المتعددة، وتقلصت قاعدتها الاجتماعية( الطبقات الوسطى) ، بشكل كبير، بسبب السياسات النيولبرالية التي طبقت منذ بداية ثمانينات القرن الماضي وفاقمت الهوة بين قلة قليلة من الرأسماليين الكبار وباقي الشعب.
– وبدأت القوى اليسارية الشعبوية تعيش التآكل( سيريزا وبوديموس وفرانس أنسوميز).
– وتعرف الديمقراطية البرجوازية أزمة عميقة جعلتها، أمام تصاعد النضالات الشعبية، تكشف عن طبيعتها العميقة كدكتاتورية ضد الطبقة العاملة وباقي الكادحين.
– لقد راجع االعديد من مناضلي ومناضلات الحركات الاجتماعية موقفهم المتحفظ من القوى المناهضة للرأسمالية لأن الواقع أبان لهم(ن) أن نضالهم لوحدهم غير قادر على تحقيق مطالبهم ولأن عددا من القوى المناهضة للرأسمالية عبرت عن تضامنها وإسنادها لهذه الحركات وسعت إلى الانخراط فيها واحترام استقلاليتها.
– إن تجربة الحركات الشعبية الكبرى التي عرفها العالم في العشرية الماضية غني بالدروس:
ففي العالم العربي، بينت السيرورات الثورية التي أطلقها ما يسمى ب”الربيع العربي” أن تدخل الطبقة العاملة كان حاسما في رحيل بن علي ومبارك والبشير وبوتفليقة. لكن غياب أو ضعف حزب الطبقة العاملة والتحالف العمالي- الفلاحي مكنا البرجوازية من إجهاض الثورة في مصر ووضع عراقيل أمام تجدرها في تونس، بينما تضعا تحديات جمة أمام تطورها في السودان والجزائر.
كما أن النضالات الشعبية العارمة والطويلة النفس التي خاضتها العديد من الشعوب، خاصة في فرنسا والتشيلي، لم تحقق نتائج مهمة بسبب غياب الحزب المستقل للطبقة العاملة. بينما حققت الحركة في الإكوادور المطالب التي رفعتها بسبب تلاقي نضال الطبقة العاملة( الاضراب الوطني العام) مع نضال الشعوب الاصلية. لكن ضعف الحزب الماركسي- اللينيني الذي لعب دورا هاما في إنجاح الاضراب العام وقيادة الجبهة الشعبية من طرف حركة الشعوب الأصلية والتي يشكل الفلاحون قوتها الأساسية حالت دون تحولها إلى ثورة ضد النظام القائم.
إن تجربة الثورات المنتصرة (روسيا والصين والفيتنام…) تظهر الدور الأساسي الذي لعبه حزب الطبقة العاملة وقيادته للجبهات الشعبية، وخاصة التحالف العمالي- الفلاحي. لقد شكلت كوبا حالة إستثنائية حيث كان لزاما على قيادة حرب العصابات والتي كان زعماؤها، وخاصة فيديل كاسترو وتشي غيفارا، ينهلون من الشيوعية الثورية لمارياطيكي ومييا، عكس الحزب الشيوعي الذي كان متورطا مع باتستا، أن ينتقلوا، تدريجيا، من ثورة وطنية ديمقراطية إلى ثورة اشتراكية، تجنبا للصراع الصدامي مع الامبريالية الأمريكية وحلفائها، والتي خلالها تم بناء الحزب الشيوعي الجديد.
– إن البرجوازية تمارس الصراع الطبقي بواسطة أدواتها الأيديولوجية والسياسية ولاقتصادية والاجتماعية والقمعية وتتوفر على هيئة أركان مركزية، هي دولتها، لوضع الخطط وبلورة الاسترتيجية والتكتيكات. ولا يمكن لقوى اليسار المناهض للرأسمالية خوض الصراع والانتصار وهي لا تتوفر على هيئة أركان لقيادة معاركها. وهذه الهيئة هي الحزب المستقل للطبقة العاملة من نوع جديد يسعى إلى بناء تمفصل بين الصراع ضد الرأسمالية الذي تشكل الطبقة العاملة رأس الرمح فيه وتنخرط فيه كل الطبقات والفئات والشرائح الشعبية المتضررة من الرأسمالية والصراع ضد كافة أشكال الاضطهاد (الجنسي والعنصري والديني والإثني وغيرها) وضد تدمير البيئة. هذا الصراع الذي يقوي الصراع العالمي ضد الرأسمالية، وفي نفس الآن، يتقوى بفضله في إطار علاقة جدلية.