هل أزمة اليسار هي أزمة قادة (زعماء) أم أزمة توجه وقيادة طبقية؟
هل أزمة اليسار هي أزمة قادة (زعماء) أم أزمة توجه وقيادة طبقية؟
في السياق: صدور نداء من طرف بعض اليساريين يدعو على تغيير قيادات الأحزاب اليسارية الأربع (الحزب الاشتراكي الموحد – حزب المؤتمر الوطني الاتحادي – حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي – حزب النهج الديمقراطي!!! لكي يحدث التحول الثوري في المجتمع،
في الإشكالية: أزمة اليسار تتلخص في قادة (زعماء) هذه الأحزاب التي أصبحت متجاوزة؟.
في تعريف وفرز اليسار وتناقضاته
يمكن بتلخيص شديد تقسيم “اليسار” في المغرب على 3 اتجاهات كبرى (النداء يقسمها إلى إثنين) و هي:
“اليسار” الذي تمخزنت قيادته وتمت إعادة هيكلة أغلب قواعده للتكيف مع المخزنة والمتمثل في الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، وأصبحت هذه القوى متطرفة يمينيا في الدفاع عن المخزن ومشاريعه الاقتصادية والسياسية وفقدت أي بعد إصلاحي أو ديمقراطي ولو في حدوده الليبرالية، و هذا التوجه ينتفي فيه اسم اليسار الذي يتحول في أقصى الحالات إلى مجرد نوسطالجيا للواهمين أو رأسمال رمزي للاستغلال الانتخابي لهذه الأحزاب الانتهازية المتحولة يمينا، وترويج انتماء هؤلاء لليسار هو تشويه وتبخيس مقصود لليسار الحقيقي ولقيمه النضالية السامية (الإصلاحي والثوري) ولتضحيات الحركة الاتحادية المناضلة.
اليسار الديمقراطي (السوسيال ديمقراط) المراهن على النضال المؤسساتي بالدرجة الأولى في التغيير الديمقراطي والمفتقد للدقة والوضوح الأيديولوجي (الذي طالب به بن بركة في نقده للأخطاء القاتلة للحركة الوطنية)، وهذا اليسار يضم مكونات فيدرالية اليسار مع وجود تفاوتات بينها وداخل كل واحدة بين مناضليها (خصوصا الحزب الاشتراكي الموحد الذي يضم التيارات وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي الذي تغيب عنه الوحدة الفكرية و الأيديولوجية)
اليسار الماركسي والماركسي اللينيني (اليسار الشيوعي) ويضم كتنظيم النهج الديمقراطي الذي له وضوح فكري وسياسي ثوري متقدم (المرجعية الماركسية و اللينينية) من مختلف القضايا (نظام الحكم، استراتيجية التغيير الثوري وتكتيكاته، منظوره لبناء الحزب الثوري وللجبهات الشعبية لتقوية اليسار وتمنيعه وقلب موازين القوة، منظوره لأدوات الدفاع الذاتي وأهمية الهجوم الوحدوي لتوحيد فعلها النضالي في أفق توحيدها تصورا كفاحيا وتنظيما، منظوره للنضال الديمقراطي الجذري ومكوناته…) ومجموعة من الماركسيين والماركسيين اللينينيين الميدانيين والمناضلين وطلائع العمل الجماهيري المشاركين في مختلف النضالات الجماهيرية والذين يعيشون توترا فكريا نظرا لغياب أطروحة لهم في التنظيم والمطالبين بالسير في اتجاه الضرورة الفكرية والسياسية والعملية في الوضوح الأيديولوجي نحو مهمة بناء الحزب البروليتاري للراغبين في المساهمة في التغيير وليس الحديث عنه فقط.
في نقذ فكرة: أزمة اليسار في ضعف قادته(زعمائه)؟
في تشخيص أزمة اليسار؟ أولا يمكن إعادة تقسيم اليسار بإلغاء من تمخزن و ذلك إلى 3 أصناف (يسار إصلاحي، يسار “فوضوي”، يسار ثوري)
فإذا كان اليسار الإصلاحي معروف من خلال أدبياته ومرجعياته الأيديولوجية الاشتراكية الديمقراطية
فإن اليسار “الفوضوي مغربيا” الرافض للتنظيم بدعاوي مختلف منها “انتظار الأداة الثورية” ومنها الرفض الذي يصل درجة الكراهية للتنظيم بالمفهوم اللينيني للكلمة (الفكر التصفوي) ومنه الذي يريد الاحتفاظ بمرجعية ماركسية بدون المساهمة التنظيمية في بناء الحزب (حزب الطبقة) ومنه القريب من أطروحة حزب النهج الديمقراطي والتردد في الانضمام بسبب بعض المواقف السياسية الغير مكتملة الوضوح، و هذه كلها تعبيرات تضع نفسها موضوعيا وعموما (رغم تعبيراتها المختلفة) في تناقض أو توازي (قد يكون مؤقتا وقد يطول لأسباب كثيرة ومعقدة ذاتية وموضوعية) مع أطروحة بناء الحزب الطبقي الذي يتطلب ليس فقط وجود قيادة بل وجود قيادة طبقية فكريا وتنظيميا لقيادة مهمة التغيير الثوري، وهي سيرورات تاريخية وفكرية ونضالية أممية بعيدة عن حاجة الفراشات (النخب المناضلة) إلى الإضاءة لفضائاتها الخاصة بمحاولة تبخيس العمل المنظم القائم (الترديد الممل لتشخيصات غير منتجة لا فكريا ولا سياسيا: أحزاب صغيرة – أشخاص قياديين غير مناسبين…)
إن اليسار الذي نتطلع إليه ونقدم مشروع أطروحته للنقاش وسط الماركسيين خصوصا وطلائع العمل النضالي الجماهيري الجذري ونريد أن يكون له وجودا وازنا واستراتيجيا هو “حزب الطبقة العاملة وجماهير الكادحين” والحزب الجاذب للطبقات الحليفة، وهو حزب ضد التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية التبعية ويهدف الى تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بآفاق اشتراكية ثم شيوعية، ويساهم في النضال الأممي من أجل “بناء أممية ماركسية ولينينية شيوعية” والمساهمة في نضالات الشعوب المتضامنة ضد النظام الرأسمالي وانظمته السياسية وترسانته القانونية ومشاريعه المكرسة للمزيد من استغلال الطبقة العاملة واضطهاد الشعوب.
من هذا المنطلق فأزمة الأحزاب ليست تنظيمية في المقام الأول بل هي فكرية وسياسية رغم المظاهر، والتنظيم في كل الادبيات الماركسية يعكس الخط الفكري والسياسي.
كما أن الأزمة ليست أزمة ديمقراطية داخلية (-عقد المؤتمرات في وقتها – تجديد الهياكل التنظيمية – رفض فكرة الزعيم الخالد فكل الأحزاب المذكورة تنص قوانينها الأساسية على ولايتين للكاتب الوطني وتنص أدبياتها على تشجيع الشباب والنساء في هياكلها القيادية وإن بتفاوت عمليا)
كما أن بعض القيادات وخاصة النهج الديمقراطي لا تنقصه الجرأة والشجاعة في العديد من المواقف المكلفة والتي صمت حولها نخب ومثقفون أفراد متحررون من ثقل الالتزامات التنظيمية وغير ملتزمين بالحضور الميداني المكلف في العديد من المعارك الكبرى.
إن مستويات النقاش مختلفة نوعيا من خلال اختلاف الأهداف:
فإذا كان الهدف هو تقوية اليسار الماركسي واللينيني فإن طبيعة الأسئلة وإشكالاتها ستتمحور حول ما يلي:
كيف نبني الحزب الطبقي للتغيير الثوري والجذري؟
كيف نقوى الفكر الماركسي اللينيني وتموقعه في صفوف الطبقات المؤهلة للتغيير في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية وفي مرحلة الهجوم الكاسح للثقافة الليبرالية المتوحشة والقمع السياسي الاجتثاثي المتنوع، وسيادة التردد نحو الفكر الاشتراكي والشيوعي؟
كيف نغير موازين القوة الطبقية لصالح الجماهير (طبقة عاملة وحلفائها الموضوعيين)؟
كيف نجعل “النخبة المثقفة” الماركسية واللينينية في خدمة المشروع وليس في خدمة تفكيكه؟
ما النداء المطلوب ولأي فئة نوجهه؟
إن المطلوب هو نداء للتفكير الجماعي حول الأسئلة التالية:
هل مشروع التغيير يحتاج إلى حزب صارم موقفا وتربية ونضالا وإلتزاما، وما طبيعة هذا الحزب؟
أم يحتاج فقط إلى تغيير قياديين (زعماء) وربما عن طريق (طلب عروض!!) و ليس عن طريق الديمقراطية الداخلية للتنظيمات الحزبية.
إن هناك أطروحة ماركسية في الساحة تقول و تردد بأن الأزمة مرتبطة بغياب الحزب الطبقي (حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين) وهي أطروحة الحركة الماركسية -اللينينية في كل الازمان، و إذا كان ما كان من تكسير لحلم “بناء الحزب تحت نيران العدو” فإن المهمة مستمرة ولها قيادييها ومناضليها الميدانيين هذه المهمة التي ما يجب أن يتجند لها جميع الماركسيين واللينينيين الصادقين للجواب عن كيفية بناء هذا الحزب وأسسه النظرية والبرنامجية والتنظيمية (الخط الفكري – الخط السياسي – الخط التنظيمي- الخط التربوي) مستفيدين طبعا من تعثرات التجارب السابقة و غير متنكرين لصدقها و لشرعية المهمات.
كذلك فإن مشروع الحزب في حاجة إلى جبهة ديمقراطية قوية ومتراصة وذات نفس استراتيجي فما هي عوائق بنائها؟
إن الجواب عن أزمة اليسار تكون من خلال اقتراح البديل الفكري والسياسي والبرنامجي والتنظيمي وليس الاكتفاء بمنطق “التصوفويين”، ان المشاريع والاطروحات والأجوبة المقدمة من طرف احزاب اليسار المذكورة ليست مشاريع أفراد بل هي -مهما قيل عنها- مشاريع تنظيمات كاملة الأركان، ولن يتم هدم المشروع من خلال التشكيك في الأفراد!.
ملاحظة أخيرة: ليست المسألة في العمق مسألة نوايا صادقة أو غير صادقة في خدمة المشروع “اليساري” بل المسألة مسالة منهج في التفكير يضع الخلفية الذاتية أحيانا ثم يبحث لها عن مصوغات مقولاتية وهو منهج يتيه عن الخط الماركسي واللينيني في تشخيص الازمة وبالتالي في اقتراح البدائل المرتبطة بالممارسة الثورية والممارسة الثورية هي في المقام الأول إلتزام و ممارسة تنظيمية.
إ. حفيظ
04 يونيو 2021