حوار مع الرفيق عبد الله الحريف

حوار مع الرفيق عبد الله الحريف
الكاتب الوطني السابق، عضو المكتب السياسي الحالي لحزب النهج الديمقراطي العمالي ومعتقل سياسي سابق




لماذا اعتبر النهج الديمقراطي، في 2018، الاعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين مهمة آنية؟

منذ تأسيسه في 15 أبريل 1995، كاستمرارية فكرية وسياسية للحركة الماركسية-اللينينية، طرح النهج الديمقراطي على نفسه مهمة المساهمة في سيرورة بناء الأداة السياسية للطبقة العاملة وعموم الكادحين دون تحديد طبيعة هذه الأداة من الناحية التنظيمية (هل حركة أم جبهة أم حزب؟).

وشكل المؤتمر الوطني الرابع المنعقد في 2016 نقلة نوعية في تصور النهج الديمقراطي لبناء الأداة السياسية للطبقة العاملة وعموم الكادحين، وذلك استجابة للظروف الموضوعية وعلى أساس تقييم حصيلة تجربته السابقة:

– احتداد أزمة الرأسمالية التي انفجرت في 2008 وعودة النهوض النضالي للطبقة العاملة والشعوب وانطلاق سيرورات ثورية عبر العالم، خاصة في العالم العربي والمغاربي، استطاعت أن تفجر من جديد موجة من النضال الشعبي والاممي، لعبت فيه الطبقات العاملة أدوارا فارقة. لكن تم اجهاض أغلبها بسبب غياب أو ضعف الحزب المستقل للطبقة العاملة الذي يلعب دورا حاسما في التغيير لصالح الطبقة العاملة وغياب أو ضعف جبهة الطبقات الشعبية.

– إن الاكتفاء بطرح “المساهمة” في هذه السيرورة يدخلنا في الانتظارية والرهان على قوى ماركسية أبانت تجربة أكثر من عشرين سنة أنها غير مستعدة لذلك بحكم طغيان الحلقية والدغمائية في صفوف بعضها والخلاف الجوهري حول طبيعة المرحلة الحالية من نضال الشعب المغربي (هل التحرر الوطني أم الاشتراكية؟) مع الحركة التروتسكية. ويجعلنا نتخلف عن تحمل مسئوليتنا التاريخية إزاء الطبقة العاملة وعموم الكادحين. ولهذا السبب أيضا أصبح من الخاطئ الرهان على أن يكون هذا التنظيم المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين جبهة بين تنظيمات ماركسية. الشيء الذي لا يعني أن ليس هناك مناضلين ثوريين ماركسيين سيساهمون في هذا المشروع العظيم.

وكما تُعَلّمنا التجربة التاريخية، فإن القوة السياسية الوحيدة المؤهلة لقيادة الطبقة العاملة نحو النصر على أعدائها الطبقيين، هو حزبها السياسي المستقل والذي يمتلك القدرة على تحليل الواقع، بكل تعقيداته، وعلى التخطيط الاستراتيجي وعلى استشراف المستقبل واستحضار المفاجئات والذي يستطيع أن يحدد المهام الواجب انجازها والشعارات الملائمة من اجل التحضير لكل تطور قد يحدث في موازين القوى الطبقية.

إن بناء هذا الحزب لا ينطلق من رغبة ذاتية ولا من نظرة حلقية ولا من إرادوية مفرطة ولا من نظرة هيمنية واستعلائية، بل هو استجابة لضرورة تاريخية يتشرف النهج الديمقراطي بتحمل عبئها.

وكخلاصة، تبنَّى المؤتمر الوطني الرابع مهمة الاعلان عن الحزب في المؤتمر الوطني الخامس ومُقَرَّرا من أجل تصليب وبلترة وتوسيع التنظيم لتفعيل هذه المهمة.

اتسمت الفترة التي امتدت من يوليو 2016 إلى شتنبر 2018، بشكل عام ببطء وعدم التفاعل المطلوب مع المهمة، وخاصة المقرر من أجل التصليب والبلترة والتوسع، من طرف اغلب هياكل الحزب وخاصة الفروع وبالإضافة إلى اغلب المناضلين/ات، وذلك لأسباب عدة لعل أهمها عدم وضع الكتابة الوطنية لخطة وبرنامج ملموسين لتنزيل هذه المهمة وأيضا الوضع التنظيمي لعدد من الفروع وترسخ مفاهيم خاطئة لعملنا الجماهيري ولتمفصله مع عملنا السياسي والتنظيمي.

ولمواجهة هذا الوضع وسعيا إلى استنهاض التنظيم وإحداث رجة داخله، صادقت اللجنة الوطنية، في 14 يوليوز 2018، والمجلس الوطني، في 30 شتنبر 2018، على خطة وبرنامج مدقق لتنزيل مهمة الاعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين في المؤتمر الوطني الخامس، واعتبرتها مهمة آنية.

ماذا تم انجازه للتحضير للاعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين؟

إن الاعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين يشكل نقلة نوعية في السيرورة الطويلة والمعقدة والمستمرة لبناء الحزب والتزام من النهج الديمقراطي ببذل كل الجهود من أجل انجاز هذه المهمة.

إن التحضير للاعلان عن الحزب المستقل للطبقة العاملة يعني استبطان مناضلات ومناضلي النهج الديمقراطي للأهمية القصوى للتعبئة وبذل كل الجهود لانجاز هذه المهمة وتثوير ممارستهم وقيام الحزب بتقييم شامل لخطه، على المستويات السياسية والإيديولوجية والتنظيمية، ولعمله الجماهيري.

وفي هذا الإطار، مثلت أشغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الخامس والندوات التي أشرفت عليها مناسبة لتدقيق وإغناء الخط السياسي والأيديولوجي والتنظيمي وأنتجت أطروحات هامة ومتقدمة سيبث فيها المؤتمر.

ومن أهم الانجازات، عدم الاكتفاء بطرح قضية الحزب كشعار، بل بلورة خطة وبرنامج لتنزيله على أرض الواقع وآلية لمتابعة انجازه وتقييمه وتقويمه وتحيينه.

كذلك، فإن مواجهة أطروحات ما بعد الحداثة وما بعد الماركسية التي تنتشر كالنار في الهشيم وسط اليسار، بما في ذلك داخلنا، والتأكيد على محورية الصراع الطبقي مسألة أساسية. والنتيجة نشر الوعي بالأهمية الحاسمة لدور الطبقة العاملة الريادي في التغيير الوطني الديمقراطي الشعبي ذي الأفق الاشتراكي والدور الهام لباقي الكادحين من فلاحين فقراء ومعدمين وكادحي الاحياء الشعبية في هذا النضال والضرورة القصوى لبناء أداة تحررهم المستقلة عن البرجوازية: الحزب المستند إلى الماركسية، كمنهج للتحليل ونظرية للتغيير الثوري.

إن بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين يتطلب التجدر وسط الطبقة العاملة وكافة الكادحين وبلترة التنظيم وتصليبه واستقطاب المناضلين(ات) الماركسيين. ولذلك يسعى النهج الديمقراطي إلى:

– إعطاء أهمية خاصة لتقوية قطاعه العمالي

– استقطاب وتكوين الأطر العمالية والكادحة وتبوئها مواقع قيادية.

– إحداث نقلة نوعية في الطبيعة الطبقية للنهج الديمقراطي بواسطة التجدر وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين، من خلال:

° العمل جاهدا على تنميته وتوجيه عمله النقابي، باعتباره المدخل الأساسي للتجدر وسط الطبقة العاملة، نحو الطبقة العاملة، خاصة في المعامل والمناجم والضيعات، وجعله يهدف إلى تطوير الوعي الطبقي للعمال والعاملات واستقطاب المتقدمين(ات) منهم(ن) إلى صفوفه.
° التعريف، على أوسع نطاق، بمشروع الاعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، خاصة بواسطة التواصل المباشر مع العمال والعاملات أمام المصانع ومع الكادحين والكادحات في الاحياء الشعبية.
° توجيه مناضلاته ومناضليه العاملين(ات) في الاطارات الجماهيرية المختلفة إلى تركيز جهودهم(ن) على قضايا العمال والكادحين.
° حث قطاعه النسائي على جعل العمل مع العاملات والكادحات وقطاعه الشبيبي على جعل العمل مع العمال والكادحين الشباب على رأس أولوياتهما.
° إطلاق مبادرة للعمل في الأحياء الشعبية في بعض المدن، اعتبارا لكون أحد المداخل للانغراس وسط العمال والكادحين هو التواجد في الأحياء التي يسكنون فيها.
° التواجد في جل واجهات النضال والعمل على تلاقي الحركات النضالية الشعبية من خلال دعوته، دون كلل أو ملل، للوحدة في النضال ولبناء هياكل تنسيقية وتشبيك المنظمات العاملة في نفس المجال والحوار العمومي بين القوى المناضلة، وذلك اقتناعا منه أن الحزب سيبنى في معمعان النضال الذي يفرز الطلائع المناضلة.

– تنويع إعلامه وتركيزه على أوضاع الطبقة العاملة وعموم الكادحين(ات) وضرورة بناء حزبهم(ن) والنقابة التي تخدم مصالحهم(ن). ولا بد هنا من التنويه بإعلامنا الذي تنوع حيث انضافت إلى جريدتنا الاسبوعية الورقية وموقعنا الالكتروني جريدة رقمية موجهة للعمال(ات) والكادحات(ين) وقناة بدأت عملها. كما تميزت دعايتنا بتنظيم العديد من الندوات الرقمية، معظمها خصص لقضايا الحزب والطبقة العاملة والكادحين.

– استمراره في مد اليد لكل الماركسيين والماركسيات ودعوتهم(ن) إلى الحوار والمساهمة في بناء الخط السياسي والإيديولوجي والتنظيمي للحزب المنشود. وسيستمر على نفس الدرب حتى بعد المؤتمر إيمانا منه بجسامة هذا المشروع وضرورة تضافر جهود الماركسين(ات) لإنجاحه.
-تطور وتنوع لعلاقاتنا الدولية بفضل عملنا المثابر في القمة العالمية للشعوب حيث نؤكد، باستمرار، على أهمية بناء الاحزاب العمالية الماركسية ونستفيذ من علاقاتنا لتطوير خطنا السياسي والفكري ومن التكاوين المختلفة حول الماركسية وإسهامات لينين وإرث الحركة الشيوعية العالمية ونضالات الشعوب وأوضاع الطبقة العاملة في العالم.

ما هي التحديات والعراقيل أمام إنجاز هذا المشروع العظيم؟

هناك تحديات ذاتية:

– الوضع التنظيمي دون المستوى المطلوب لعدد من الفروع الذي يؤدي إلى عدم تفعيلها لبرنامج الاعلان عن الحزب.

– توجه عملنا النقابي، أساسا، نحو البرجوازية الصغرى.

– طغيان العنصر البرجوازي الصغير.

– ضعف تمفصل عملنا الجماهيري وعملنا السياسي-التنظيمي.

وفي المقابل، يتوفر النهج الديمقراطي على مناضلات(ين) مخلصين(ات) ومكافحين(ات) وماركسيين(ات). وهذا عنصر هام يوفر إمكانية جدية لتثويرهم(ن).

وموضوعية:

– التطور الايجابي للطبقة العاملة من حيث حجمها وتشبيبها وتأنيثها وتعليمها والذي يوفر شروطا هامة لنشر الفكر الماركسي وأهمية التنظيم يتزامن مع واقع سلبي يتمثل في:

– الهجوم الأيديولوجي الخطير للرأسمالية.

– انتشار الهشاشة، بشكل متزايد خاصة مع أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي وجائحة كوفيد-19، وسط الطبقة العاملة بسبب:

° هجوم النيولبرالية التي قضت على العديد من مكتسبات الطبقة العاملة وحقوقها.
° العولمة الرأسمالية التي مكنت الشركات المتعددة الاستيطان من نقل أنشطة المقاولة من الداخل من هذا البلد إلى الآخر.

الشيء الذي ساهم في إضعاف الحركة النقابية التي تعاني من التشرذم وسيطرة البيروقراطية وجعل اللجوء إلى الإضراب، كأهم سلاح للطبقة العاملة في نضالها الاقتصادي، أكثر صعوبة.

– طبيعة المرحلة المتسمة بفشل تجارب بناء الاشتراكية وحركات التحرر الوطني وصعوبة بلورة بديل اشتراكي قابل للحياة وانعكاس ذلك على وعي الطبقة العاملة والكادحين…

– الحصار والمنع الذي يطال النهج الديمقراطي ويسعى إلى عرقلة نشاطه وتعقيد مهمة انغراسه وسط الطبقة العاملة والكادحين والذي يتجلى، حاليا، في التسويف والمماطلة في تمكينه من قاعة لعقد الجلسة الافتتاحية لمؤتمره ومكان لاحتضان أشغال مؤتمره وإقامة مؤتمراته ومؤتمريه.

لكننا عاقدون(ات) العزم على الاعلان عن الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية في مؤتمرنا الوطني الخامس وعلى النضال، بكل ما أوتينا من قوة، من أجل عقده في موعده وفي ظروف عادية وملائمة.