شبكة “تقاطُع” للحقوق الشغلية تراسل القيادات النقابية
رسالة مفتوحة إلى السيدات والسادة عضوات وأعضاء القيادات النقابية المشاركة في الحوار الاجتماعي
نداء من أجل رفض ومواجهة المشاريع التراجعية الواردة في الباب السادس لاتفاق 30 أبريل 2022 تحت عنوان “استكمال الترسانة القانونية لتشريعات العمل وملاءمتها مع تحولات سوق الشغل الوطنية والدولية.”
تحية واحترام وبعد،
انطلقت في 14 شتنبر 2022 “المحطة الثانية من الحوار الاجتماعي الخاصة بأجرأة اتفاق 30 أبريل 2022″، وهو الاتفاق الذي سبق أن أصدرت بشأنه شبكة “تقاطُع” للحقوق الشغلية بيانا اشتمل على أهم ملاحظاتها حول محتواه، وعبرت عن تخوفاتها بخصوص ما تضمنه من تراجعات جدية محتملة عن حقوق ومكاسب الشغيلة. هذه التخوفات المشروعة تعززها الأخبار الواردة من كواليس الحوار الاجتماعي وما تضمنته مشاريع القوانين المطروحة بالبرلمان.
لذا، وانطلاقا من قناعتها بأهمبة الدور الذي يجب أن يضطلع به النضال النقابي الجاد في تحسين أوضاع الشغيلة، واستحضارا للهجوم الكاسح الذي تشنه الباطرونا مدعومة بمؤسسات الدولة في السنوات الأخيرة على حقوق ومكتسبات الشغيلة، ووعيا منها بخطورة المخطط الطبقي لهذا التحالف المعادي للحقوق الشغلية الذي أصبح يستعمل الحوار الاجتماعي كغطاء لشرعنة التراجعات المذكورة وهدف بالتالي إلى توريط النقابات ذات التمثيلية وتحميلها المسؤولية فيما آلت وستؤول إليه أوضاع الشغيلة، فإن شبكة “تقاطُع” للحقوق الشغلية تنادي القيادات النقابية المشاركة في الحوار الاجتماعي إلى التعاون للتصدي للتراجعات المبرمجة، والتي نذكر من بينها:
1) “إصلاح أنظمة التقاعد:” وهو العنوان الذي وضعته الدولة لمخطط الإجهاز على ما تبقى من مكاسب الشغّيلة في مجال التقاعد وتحميل الأجراء والمتقاعدين تبعات تخريب صناديق التقاعد وتراجع التشغيل العمومي منذ تطبيق برنامج التقويم الهيكلي وما تلاه من خوصصة وتسليع الخدمات العمومية، فضلا عن ما تعرض له الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من نهب وما تعرضت له باقي الصناديق من سوء التدبير والسطو على مدخراتها واستعمالها في مجالات واستثمارات بعيدة عن مصالح العمال والمتقاعدين وذوي الحقوق.
في غياب تقييم جدي للسياسات العمومية السالفة الذكر وتقدير حقيقي لحجم الأضرار الناجمة عن نهب وتخريب صناديق التقاعد والتي كان جزء منها موضوعا لتمرير لجنة برلمانية للتقصي وصدرت بشأنها أحكام قضائية تؤكد الجريمة دون أن تنصف الضحايا، فإن المخطط الجديد “لإصلاح أنظمة التقاعد” لا يحمل سوى وصفة قديمة: اقتطاعات أكثر ومدة عمل أطول ومعاش أهزل.
2) “إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب:” على مدى عقدين من الزمن خضع مشروع قانون الإضراب لتحليل نقدي نتج عنه شبه إجماع نقابي وحقوقي حول طابعه الرجع الرجعي والتراجعي. ورغم تعدد الصيغ التي وضعتها الحكومات المتعاقبة بتنسيق مع أرباب العمل، فإنها – أي صيغ المشروع – حافظت على جوهرها الذي يجعل ممارسة حق الإضراب مستحيلة أو عديمة الجدوى أو جريمة. وقد سبق أن أصدرت بعض المركزيات النقابية بيانات ومذكرات تعبر عن رفضها لهذا المشروع. لذا لن نخوض في تفاصيله، وسنكتفي بتأكيد أن مشروع القانون المحال حالٌٌا على البرلمان بعدما صادق عليه مجلس الوزراء بتاريخ 26 شتنبر 2016، يحد بشكل كبير من الفئات التي يشملها حق الإضراب ويوسع الحالات والفئات التي يمنع عليها ممارسة هذا الحق. كما أن القيود التي وضعها مشروع القانون على ممارسة حق الإضراب تجاوزت مجال الشغل وقد تتحول إلى أداة للقمع السياسي. ذلن أن إحدى مواد المشروع تعتبر “كل إضراب لأهداف سياسية ممنوع” وتترك، طبعا، للسلطة صلاحية تحديد مفهوم الإضراب السياسي. مما ينذر بانبعاث قانون “كل ما من شأنه” الذي وضعته الإدارة الاستعمارية سنة 1935 واستمر العمل به طيلة ستين سنة في مواجهة المعارضة والأصوات الحرة.
3) “مراجعة مقتضيات مدونة الشغل:”
لقد كشفت أزمة كوفيد19 الأخيرة عن نقص مهول في تطبيق قانون الشغل سواء ما تعلق منه بتوفير شروط الصحة والسلامة بأماكن العمل أو بالتصريح بالمأجورٌن لدى صندوق الضمان الاجتماعي أو باحترام المساطر القانونية الخاصة بإغلاق مؤسسات الإنتاج وتسريح العاملات والعمال. كما أكدت ظروف الجائحة غياب/تغييب جهاز تفتيش الشغل وتواطؤ السلطات الإدارية والقضائية مع أرباب العمل الخارجين عن القانون. وقد سبق لوزارة الشغل أن أشرفت على دراسة أثبتت أن أقلية من المقاولات، لا تتعدى 15%، هي التي تطبق مقتضيات مدونة الشغل، أي بعبارة أخرى أن أغلب العاملات والعمال لا يتمتعون بالأجر القانوني والحماية الاجتماعية واستقرار العمل والحق النقابي إلى غيرها من الحقوق الشغلية القانونية.
إن هدف الباطرونا من تعديل مدونة الشغل، في هذا الظرف، هو الإجهاز على بعض الضمانات القانونية التي تضمن استقرار العمل وحرية ممارسة العمل النقابي. ونخشى أن تكون المواد التالية مستهدفة: المادة 16 التي تقيد العمل بالعقدة المحدودة المدة، والمادة 62 وما بعدها التي توفر للأجير بعض الضمانات القانونية ضد الطرد التعسفي والمواد 66 إلى 71 التي تقيد التسريح الجماعي للعمال وإغلاق المقاولات، والمادة 496 التي تحدد الحالات التي يسمح فيها بتشغيل عمال من طرف “مقاولات التشغيل المؤقت” للقيام ب”أشغال غير دائمة”، والمادة 414 التي تلزم السلطة بتسليم وصل الإيداع فورا للنقابات عند تأسيسها أو تجديد مكاتبها النقابية، إلى غيرها من المواد المشابهة. إن ملائمة قانون الشغل مع تحولات سوق الشغل بهذا المعنى، مطلب من مطالب الباطرونا التي تهدف إلى تكريس وتقنين التراجعات الحالية العديدة على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة.
أٌيتها الأخوات أيها الإخوة،
إن الإصلاح التشريعي الذي يفرض نفسه بإلحاح اليوم يجب أن ينطلق من مصادقة المغرب على اتفاقيات الشغل الدولية وملائمة التشريع المحلي للشغل مع المواثيق الدولية، وذلك فضلا عن وضع سياسات عمومية لإخراج الطبقة العاملة من دائرة الفقر ومحاربة البطالة وهشاشة الشغل وتعزيز استمرار العمل والرفع من المستوى المعيش المعيشي للشغيلة وعموم الجماهير الكادحة عبر زيادة عامة في الأجور والمعاشات بما يتناسب مع التضخم المتراكم منذ سنوات، والتخفيف من الضغط الضريبي على الدخل والاستهلاك، ووضع حد لغلاء المواد والخدمات الأساسية عبر تقنين الأسعار ومحاربة الأنشطة الريعية والمضارباتية، وتوفير الخدمات الاجتماعية العمومية من صحة وتعليم وأنشطة ثقافية ورياضية وترفيهية وغيرها، وضمان جودتها وديمومتها ومجانيتها. وبديهي أن هذا الإصلاح التشريعي الحقيقي لن يستقيم دون إحياء جهاز تفتيش الشغل، وتشديد العقوبات ضد المشغلين الذين ينتهكون مقتضيات قانون الشغل، وخلق محاكم اجتماعية مختصة وعادلة، وتحديد مسؤولية الدولة فًي تنفيذ آلاف الأحكام الناتجة عن الطرد التعسفي الصادرة خلال العقدين الأخيرين لفائدة العاملات والعمال والتي يرفض المشغلون تنفيذها.
واخيرا، لا يستقيم الحوار الاجتماعي والحوار عموما، دون اعتراف أطراف هذا الحوار بعضهم ببعض، أي الاعتراف المتبادل بحقهم فًي الوجود. والحال أن رفض الدولة المغربية الانضمام للاتفاقية 87 حول الحرية النقابية هو في جوهره إنكار لوجود النقابة كطرف أساسي في الحوار، مما يمس بمصداقية الحوار الاجتماعي ويفسر استهانة الحكومة بالتزاماتها الواردة في الاتفاقيات الاجتماعية السابقة .للتذكير، فإن التزام الحكومة بالمصادلة على الاتفاقية رقم 87 ورد فً الاتفاقيات الاجتماعية المتتالية منذ فاتح غشت 1996. وللاعتبارات نفسها، يجب الإسراع برفع الحظر المضروب على العمل النقابي، سواء من طرف المشغلين بالعديد من التجمعات الصناعية والفلاحية والمنجمية و”المناطق الحرة” أو من طرف السلطات المحلية التي ترفض استلام الملفات القانونية للنقابات أو تسليم وصولات الإيداع أو تجاهل المراسلات النقابية وترفض عقد اجتماعات اللجان الإقليمية للبحث والمصالحة في تواطؤ مكشوف مع المشغلين الخارجين عن القانون…
إن شبكة “تقاطُع” للحقوق الشغلية، إذ تؤكد دعمها المطلق لنضالات الشغيلة المغربية من أجل تحقيق مطالبها المشروعة، تُحيي جهود المركزيات النقابية المشاركة في الحوار الاجتماعي وتدعوها إلى توحيد جهودها من أجل رفض ومواجهة المشاريع التراجعية الواردة في الباب السادس لاتفاق 30 أبريل 2022 تحت عنوان “استكمال الترسانة القانونية لتشريعات العمل وملاءمتها مع تحولات سوق الشغل الوطنية والدولية.”
وتقبلوا عبارات احترامنا ودعمنا لنضالكم لما فيه صالح الشغيلة.
لجنة المتابعة لشبكة “تقاطع”،
بتاريخ 10 أكتوبر 2022.