زحف الرأسمال الأجنبي على التعليم بالمغرب استهداف للسيادة الوطنية
عبد الحق الوسولي
زحف الرأسمال الأجنبي على التعليم بالمغرب استهداف للسيادة الوطنية
1- مقدمة
إن إشكالية السياسة التعليمية في المغرب إشكالية تاريخية وسياسية ملازمة لطبيعة النظام السياسي الاستبدادي التبعي للإمبريالية الغربية، ويعكس في جوهره الصراع بين مشروعين تعليميين متناقضين: مشروع النظام المخزني وهو مشروع يسعى إلى تأبيد التبعية للإمبريالية الغربية ويستهدف في العمق السيادة الوطنية، ويعمل على تسليع التعليم بضرب التعليم العمومي وتبخيسه والحط من قيمته، ومشروع القوى التقدمية والديمقراطية والوطنية، وهو مشروع يدافع على تعليم وطني، حداثي، ديمقراطي، موحد، جيد ومجاني لجميع المغاربة. إن معركة إصلاح التعليم جزء لا يتجزأ من معركة استكمال مهام التحرر الوطني والسيادة الوطنية. إن وظيفة التعليم لا تنحصر في التحصيل العلمي فقط بل هي فضاء واسع لإعداد المواطن الصالح المتشبع بالوطنية الحقيقية والمتربي على القيم الإنسانية والمحترم لحقوق الإنسان والمحافظ على البيئة والمساهم في تقدم الوطن والمدافع عن السيادة الوطنية. إن مستقبل البلاد مرتبط أساسا بجودة التربية والتكوين الهدف الأساسي منهما هو تكوين المواطن المبدع الخلاق المتمكن من الفكر العلمي النقدي، التحرري العقلاني، يسعى إلى تحقيق التنمية الوطنية وفك الارتباط بالتبعية للغرب الإمبريالي والدوائر المالية العالمية. انطلاقا مما سبق فالسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو، هل السياسة التعليمية ببلادنا تهدف إلى تحقيق السيادة والتحرر الوطني وخدمة المواطن المغربي، أم تخدم الكتلة الطبقية السائدة وكيلة الإمبريالية الغربية وترهن البلاد في يد المعمرين الجدد وبالتالي استهداف السيادة الوطنية والتحرر الوطني؟
2- واقع التعليم
إن السياسة التعليمية ببلادنا المتبعة هي سياسة طبقية بامتياز. فهناك مدرسة للكتلة الطبقية السائدة والتي تهدف إلى إعادة إنتاج النخب القادرة على التفكير والمحافظة على امتيازاتها الطبقية وهذا بالطبع متاح فقط لأبناء الأغنياء (المدرسة الأمريكية، مدارس البعثات وبعض التعليم الخاص الباهظ الثمن لأبناء الطبقة المتوسطة)، بالمقابل مدرسة عمومية لأبناء عموم الشعب والتي كانت على الأقل حتى حدود السبعينات و سيلة للترقي الاجتماعي وهذا لم يكن أن يتم إلا بفضل تضحيات نساء ورجال التعليم ومقاومتهم للسياسة الطبقية اللاشعبية واللاوطنية للنظام، لكن ومنذ نهاية السبعينات بعدما أن زج النظام بخيرة رجال التعليم في السجون وتم ضرب الاتحاد الوطني لطبة المغرب وتشجيع الظلاميين والفكر الظلامي استطاع أن يطبق سياسته الطبقية وأصبح الهدف من المدرسة العمومية هو محاصرة العقلانية والفكر التحرري والنقدي وبالمقابل شل العقل عن التفكير وإعداد يد عاملة مؤهلة تكون في خدمة الكتلة الطبقية السائدة والشركات المتعددة الجنسيات وبأجور متدنية لكنها غير قادرة على الإبداع والتفكير في مستقبلها.
إن خلل اللامساواة واللاديمقراطية لم يصب فقط المنظومة التعليمية بل إنه أحدث شرخا واضحا في المجتمع المغربي، مما أدى إلى تفشي الحقد الاجتماعي من جهة واعتبار المواطنين غرباء في وطنهم وخصوصا في السنوات الأخيرة حين شجعت الدولة الاستثمار الأجنبي في التعليم من الابتدائي إلى العالي، والدليل على هذا هو تمرير قانون الإطار الذي بقي وفيا لمنظور بناء المدرسة النيوليبرالية المتوحشة، وتم تمريره في سياق جلبة زائفة مفتعلة وهامشية حول “لغة التدريس”، وهو ما كان متوقعا باعتبار أن الإجماع النيوليبرالي قائم على السياسات التعليمية المفترض اتباعها، والتي قوامها أن التعليم: استثمار في رأس المال البشري مما كرس وقنن الإجهاز على التعليم العمومي وإخضاع التربية والتكوين لسطوة رأس المال، خاضع لتحكم متطلبات المقاولات الرأسمالية تحت عنوان المرونة والقابلية للتشغيل (التشغيلية) كموجهين أساسين لأهداف التعليم ومضمونه، خادم لمنظور تنموي يفتح البلد فريسة للاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي ستعمق التبعية للإمبريالية الغربية وتضرب في العمق السيادة الوطنية ورهنها في يد الإمبريالية والصهيونية وما الهرولة حول التطبيع مع الكيا الصهيوني إلا خير دليل على هذا، موجه نحو تقوية “مرونة سوق الشغل” وتكوين عمال ذوي “أجور منخفضة” خدمة لمصالح الكتلة الطبقية السائدة وأسيادها “الشركات المتعدة الجنسيات”، قائم على حكامة تجري وفق تدبير مقاولاتي، وهو ما يعني الإجهاز على استقلالية القرار السياسي الوطني وبالتالي على السيادة الوطنية.
3- التخريب الممنهج للتعليم العالي العمومي وتشجيع الرأسمال الأجنبي
إن نتائج تدمير التعليم العمومي، والسعي للمزيد من الخوصصة التي انطلقت بشكل تدريجي، ومتواتر منذ بداية الثمانينات نلاحظ فصولها الأخيرة حاليا والمتمثلة في الإصرار والتمادي في الخوصصة المفرطة وتشجيع الرأسمال الأجنبي للاستثمار في التعليم بمنحه عدة امتيازات وتسهيلات…
إن الدولة لا تملك سيطرة تُذكر على قطاع التعليم الخاص وخصوصا الأجنبي، حيث أنّ الرسوم الدراسية في المؤسسات الخاصة غير خاضعة للتنظيم ولا تتم مراقبتها على نحو منتظم، والأخطر من هذا عدم التحكم من طرف الدولة في البرامج والمقررات الدراسية وخصوصا بالنسبة للتعليم الأجنبي، مما يؤدي إلى تكوين مواطن مستلب يخدم مصالح المعمرين الجدد بدل تكوينه تكوينا يكون في خدمة الوطن والشعب، يسعى ويناضل ويعمل من أجل التحرر الوطني والاستقلال الفعلي وبناء الدولة الديموقراطية تكون السيادة فيها للشعب. كما أدّى الافتقار إلى إطار تنظيمي لمراقبة القطاع الخاص إلى زيادة مشاركة صناديق الاستثمار الأجنبية والجهات الفاعلة الدولية في نظام التعليم المغربي، وغالباً ما يكون ذلك لأغراض ربحية وإنتاج اطر مرتبطة مصالحها بمصالح الكتلة الطبقية السائدة والإمبريالية الغربية.
إنّ التعليم الخاص الوطني والأجنبي الموجه إلى أبناء الطبقات الميسورة أدى إلى نظام تعليمي متوازي متعدد السرعات بحيث يختبر الطلاب من خلاله قيماً مختلفة ويعيشون في “مغرب” مختلف ويسلكون مسارات مختلفة قد لا تتقاطع أبداً، ونتيجة لذلك، يتفاقم الظُلم والإقصاء الاجتماعي، ولم يعُد يعتبر التعليم حقّاً ومصلحة عامة يجب الحفاظ عليها وإنّما أقرب إلى سلعة تخضع للعرض والطلب مما عمق الفوارق الطبقية والأخطر من ذلك أنه أنتج وأجج الحقد الاجتماعي بين فئات المجتمع.
4- خلاصة
تعيش المنظومة التعليمية بالمغرب أزمة مزمنة سببها تعاقب سياسات تعليمية مرتجلة تفتقر إلى الاستمرارية وبعد الرؤيا وتتجلى اليوم عواقب هذه السياسات في: الإجهاز على صيغة “القطاع العمومي” للتعليم، الاتجاه نحو تخلي الدولة على دورها في مجال التعليم وفتح هذا القطاع الوطني الاستراتيجي على الاستثمار لفائدة الرأسمال الأجنبي والمحلي، تهميش البحث العلمي كمحور استراتيجي في التعليم العالي لتطوير وتحيين المفاهيم والمضامين وعدم ربط البحث العلمي بالإصلاح التربوي وبالتنمية وتقدم المجتمع وتطوره في مجال التكنولوجيا، والاقتصاد، والصناعة والفلاحة…، تشجيع الرأسمال الأجنبي للاستثمار في التعليم مما أدى إلى مزيد من التدهور وفقدان الثقة في نظام تعليمنا العمومي أي إلى مزيد من التبعية وفقدان السيادة الوطنية.
استنادا لما سبق فواقع التعليم في ظل نظام تبعي لا يمكن له إلا أن يكون تعليما يخدم مصالحه المرتبطة بمصالح الإمبريالية والصهيونية. فكما أشرنا سابقا فإن التعليم العمومي المتاح لأبناء الشعب يجب أن ينتج في أحسن الأحوال يد عاملة مؤهلة تكون في خدمة الرأسمال الطفيلي والكتلة الطبقية السائدة والرأسمال الأجنبي. أما أبناء الطبقة السائدة فلهم التعليم الخاص وخصصا الأجنبي والدراسة في الجامعات والمدارس الغربية وهؤلاء هم أطر المستقبل والذين سيتحكمون طبعا في السياسة والاقتصاد ويكونون في خدمة الإمبريالية الغربية والصهيونية والرجعية وبطبيعة الحال فالمستهدف الرئيسي هو السيادة الوطنية والتحرر الوطني.