مهام القوى المناضلة في الدار البيضاء
مهام القوى المناضلة في الدار البيضاء
لتحديد مهام القوى المناضلة في الدار البيضاء، لا بد من تحديد طبيعة المرحلة التاريخية التي يعيشها شعبنا، ثم طبيعة الفترة الحالية ثم خصوصية الدار البيضاء.
المرحلة التاريخية الحالية هي مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. وتهدف هذه المرحلة إلى حل التناقض بين الطبقات الشعبية من جهة والكتلة الطبقية السائدة والامبريالية والمخزن من جهة ثانية.
البناء الديمقراطي هو بناء الديمقراطية الشعبية التي تجسد سلطة الطبقات الشعبية، ديمقراطية أرقى من الديمقراطية البرجوازية لأنها تخدم مصلحة الأغلبية أي الطبقات الشعبية (الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وكادحي الأحياء الشعبية والبرجوازية الصغرى وجزء من البرجوازية المتوسطة)، فأحرى “الديمقراطية” المخزنية التي تخدم مصلحة أقلية هي الكتلة الطبقية السائدة والامبريالية والمخزن.
المهمة الرئيسية للفترة الراهنة هي التخلص من المخزن باعتباره عقبة كأداء أمام أي تطور لصالح شعبنا. إن التخلص من المخزن يخدم مصلحة كل المتضررين من إستبداد واضطهاد وافتراس وفساد المخزن، وخاصة نواته الصلبة المافيا المخزنية. وقد قدمت حركة 20 فبراير نموذجا، غير مهيكل بما فيه الكفاية وغير مكتمل، لجبهة مناهضة للمخزن إنخرط فيها اليسار المناضل والحركة الإسلامية المناضلة والليبراليون الممثلون للفئات من الكتلة الطبقية الغير مندمجين في المافيا المخزنية والذين يعانون من افتراسها والذين رفعوا شعار فصل السلطة عن الثروة. وأبانت حركة 20 فبراير إمكانية العمل بين قوى مختلفة المشارب الأيديولوجية والإنتماءات الطبقية على أهداف توحد جزءا هاما من الشعب المغربي وأعطت صفعة لسياسة “فرق تسد” وفندت فكرة “ما كاين معامن” التي يحاول المخزن غرسها في أدمغة المغاربة.
لعل من أهم دروس السيرورات الثورية في العالم العربي والمغاربي ودروس حركة 20 فبراير أن الشعوب تريد التغيير الجذري لأوضاعها السياسية (النضال ضد الإستبداد والفساد) والإجتماعية (العدالة الإجتماعية والعيش الكريم) أي أنها، بشكل حسي، أصبحت تعي أن شقائها يأتي بسبب من الأنظمة الحاكمة التابعة للامبريالية والطبقات السائدة التابعة والريعية اي انها طرحت على جدول اعمال القوى الشعبية المناضلة مهمة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. غير أن ضعف أو غياب القوى السياسية والنقابية والمجتمعية المعبرة عن مصالح الطبقات الأساسية التي في مصلحتها التغيير (الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء وباقي الكادحين) وغياب جبهة الطبقات الشعبية وسيادة القوى الممثلة للبرجوازية بشكل عام أدى إلى إجهاض هذه السيرورات الثورية مؤقتا. لكن مع ذلك فإن فعل هذه السيرورات لا زال مستمرا ما دامت مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي لم تنجز.
إن ما سبق يؤكد ما افرزته التجربة التاريخية التي أظهرت أن إنجاز مهام هذه المرحلة، فأحرى انفتاحها على الأفق الاشتراكي يستوجب قيادة الطبقة العاملة لجبهة الطبقات الشعبية (تجربة الأغلبية الساحقة من حركات التحرر الوطني في العالم). التجارب الوحيدة التي استطاعت الافتكاك من التبعية للامبريالية وانتزاع السيادة الوطنية هي التجارب التي قادتها أحزاب أو حركات تمثل مصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء (الثورات الروسية والصينية والفيتنامية والكوبية والكورية). وسبب ذلك هو أن البرجوازية أصبحت تابعة للامبريالية وعاجزة، بالتالي على إنجاز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي.
إن الوضع مختلف الآن عن مرحلة الاستقلالات: تراجع كبير لعدد الفلاحين بسبب الهجرة نحو المدن. وهؤلاء تحولت أغلبيتهم الساحقة إلى عمال وكادحين غير عمال هم، موضوعيا، قوة ثورية. على سبيل المثال، غداة الاستقلال الشكلي للمغرب كان سكان البوادي يمثلون 90 في المئة من الشعب المغربي وأصبحوا يمثلون 45 في المئة فقط.
لا بد، في نفس الآن، بناء الأداة السياسية للطبقة العاملة: الحزب المستقل للطبقة العاملة، الآن ودون تردد، وجبهة الطبقات الشعبية التي يشكل الفلاحون الفقراء وكادحو الأحياء الشعبية عمودها الفقري وقوتها الأساسية والأكثر جدرية. هذا الحزب المسلح بالماركسية-اللينينية والذي ينبني من خلال انصهار المثقفين الماركسيين-اللينينيين بطلائع العمال والفلاحين الفقراء وباقي فئات الكادحين. ولذلك قرر النهج الديمقراطي، في المؤتمر الوطني الخامس، أن يتحمل مسئولية الاعلان عن تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة مع الاستمرار في دعوة الماركسيين-اللينينيين المغاربة المقتنعين والملتزمين بمهمة بناء هذا الحزب، الآن ودون تردد، إلى الحوار. وهو ماض في بناء هذا الحزب الذي يسعى إلى بلترته وتقويته وتصليبه.
– بلترة الحزب:
– إن بلترة الحزب تعني تحول البنية الطبقية للحزب من بنية يطغى عليها العنصر البرجوازي الصغير إلى بنية تسود فيها وتقودها الطلائع التي أفرزتها المعارك العمالية والمتشبعة بالماركسية-اللينينية والمثقفون الثوريون الماركسيون-اللينينيون الذين انتحروا طبقيا. إن البلترة هي الانصهار بين الفصيل المتقدم للطبقة العاملة والمثقفين الثوريين الماركسيين-اللينينيين. فهي إذن ليست عملية بسيطة تتمثل في استقطاب أكبر عدد من العمال والعاملات. بل هي عملية معقدة يتم خلالها تحول كل من الطلائع العمالية والمثقفين الشيوعيين إلى قيادة وهيئة أركان للحزب ولعملية التغيير. إنها عملية تتطلب استعدادا من طرف المعنيين وتدخلا واعيا ومدروسا من طرف الحزب لتحديد شروطها ومتطلباتها.
“- تقوية الحزب:
إن نجاح الحزب في تحقيق المهام المطروحة عليه مرتبط بتجذره وسط الطبقة العاملة والرفع من تأثيره وسطها وبتحوله إلى قوة حقيقية في المجتمع من خلال بناء قدراته النضالية والتنظيمية والتأطيرية والإعلامية والتعبوية وتقوية وتوسيع الجبهات التي ينخرط فيها حاليا في أفق بناء جبهة الطبقات الشعبية.
– تصليب الحزب:
إن الطبقة العاملة، لكي تنتصر في الصراع المحتدم في المجتمع ضد اعدائها الذين يتوفرون على الدولة كهيئة أركان لهم وعلى أجهزة مختلفة لضمان هيمنتهم، يجب أن تتوفر على هيئة أركانها تقود نضالها هي حزبها المستقل الذي يسعى حزب النهج الديمقراطي العمالي إلى بنائه.
لهذا السبب، لا بد من تصليب حزب النهج الديمقراطي العمالي من خلال إلزامية تواجد كل عضو(ة) في أحد الاطارات التنظيمية. وتطبيق المركزية الديمقراطية ومفهوم الحزب كهيئة أركان الطبقة العاملة والقيادة الجماعية ونبذ ورفض التكتلات والتيارات واستعمال سلاح النقد والنقد الذاتي لتقويم الأخطاء والانحرافات وتصحيح الممارسات الليبرالية.“ (برنامج 2022-2026).
ونظرا لطبيعة الدار البيضاء كأكبر مدينة وأكبر قلعة برولتارية وأكبر تجمع للكاحين الغير عمال، فإن أهم مهمة وأهم تحدي يواجه الماركسيين-اللينينيين هو التجدر في الطبقة العاملة وكادحي الأحياء الشعبية في هذه المدينة. إن التجدر وسط الطبقة العاملة يتم من خلال العمل النقابي والعمل المباشر في مواقع الإنتاج وفي الأحياء التي يعيش فيها العمال. إن التجدر وسط كادحي الأحياء الشعبية يخدم، في نفس الآن، التجدر وسط الطبقة العاملة ووسط الكادحين الغير عمال ويساهم في بناء الحزب من خلال استقطاب طلائع العمال والكادحين الغير عمال إلى صفوفه. كما يساهم، بشكل قوي، في بناء جبهة الطبقات الشعبية، وخاصة التحالف العمالي-الفلاحي، لكون أغلب هؤلاء العمال والكادحين الغير عمال لا زالت تربطهم علاقات وثيقة بالفلاحين الفقراء في المناطق التي هاجروا منها. وبما أن هؤلاء العمال والكادحين الغير عمال في الدار البيضاء ينحدرون من كل مناطق البلاد، فإن مساهمتهم في توحيد حركة الفلاحين الفقراء وبناء التحالف العمالي-الفلاحي هامة. هكذا فإن الماركسيين-اللينينيين في الدار البيضاء يتحملون القسط الأكبر في بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة وقسطا مهما في بناء الجبهة الواسعة ضد المخزن وجبهة الطبقات الشعبية.
إن بناء جبهة الطبقات الشعبية التي تشارك فيها كل القوى الممثلة للطبقات الشعبية ليست بالمهمة السهلة ولن تبنى بشكل عفوي وتلقائي، بل تتطلب مجهودات مضنية وكثيرا من الصبر وإيمانا راسخا بضرورتها واستعدادا لتحمل النكسات والسعي إلى تجاوزها. كما أنها لن تبنى دفعة واحدة. إنها ستكون تتويجا ونقلة نوعية لمسار نضالي طويل من بناء جبهات تكتيكية وحوار واسع وجدي وسط المجتمع.
إن بناء جبهة تكتيكية يعني توحيد قوى سياسية ونقابية ومجتمعية حول هدف محدد هو، في الفترة الراهنة، التخلص من المخزن وحول سبل تحقيق هذا الهدف. لكن هذه الوحدة دائما مهددة، أمام الصعاب، بالتصدع. كما، بالنسبة لنا، أن تحقيق هذا الهدف ليس نهاية المطاف، بل يجب أن يشكل خطوة نحو إنحاز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. لذلك، من الطبيعي أن تعرف الجبهة صراعا، خاصة بين مشروع الطبقة العاملة وعموم الكادحين من جهة ومشروع البرجوازية الصغرى من جهة أخرى. كما أن القوى البرجوازية داخل الجبهة، خوفا من أن تتجاوزها الجماهير العمالية والكادحة، قد تحاول لجم الجبهة وحصرها في أشكال نضالية قد تؤدي إلى فشلها. والحال أن ميزان القوى هو الذي سيحسم التوجه الذي ستسير عليه الجبهة.
لذلك، في إعتقادي، فإن التعامل السديد مع بناء الجبهة يجب أن يمشي على رجلين: البناء من فوق بواسطة تجميع أكبر عدد من القوى المناضلة ومن تحت من خلال احتضان وتقوية وتوحيد النضالات الشعبية التي تخوضها التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية. ولذلك يجب:
– التمسك بالهجوم الوحدوي، أي السعي، دون كلل أو ملل، إلى تجميع أكبر قوة ممكنة ضد عدو شعبنا الأساسي. إن التشبث بوحدة الجبهة لا يعني عدم خوض الصراع، بشكل ديمقراطي، من أجل تسييد تصورنا لها. لكنه صراع يجب أن يكون موضوعيا ويهدف إلى تقوية الجبهة وتطوير نضاليتها. ولذلك، فإنه ينبد التشهير والتخوين ويتجنب البوليميك.
-العمل بإصرار على تسييد تصور لبناء الجبهة كإطار يحتضن ويقوي ويوحد الحركات النضالية التي تقودها التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الجماهير العمالية والكادحة، وليس الركوب على هذه الحركات أو إحتوئها أو لجمها، تصور يجعل هذه الحركات تصب في النضال من أجل التخلص من المخزن على طريق القضاء على هيمنة الكتلة الطبقية السائدة. وليس كهيئة بيروقراطية تجمع قيادات تنظيمات توجه، بين الفينة والأخرى ومن فوق، دعوات للجماهير للنضال.
إن دور القوى المناضلة في الدار البيضاء المؤمنة بضرورة تصعيد النضال للتخلص من المخزن كخطوة نحو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية في تسييد هذا التصور حاسم. الشيء الذي يستوجب:
-بناء التنظيمات الذاتية المختلفة للجماهير الشعبية، وخاصة العمالية والكادحة واحتضان وتقوية تنظيماتها الذاتية المناضلة الموجودة وتحويل النضالات الظرفية المتعددة إلى حركات منظمة ودائمة والعمل على توحيد هذه الحركات حول شعار التخلص من المخزن.
-إعطاء أهمية قصوى للعمل النقابي وتوجيهه نحو العمال والعاملات ودمقرطته وتوحيده وجعله يخدم مصالح الطبقة العاملة وربطه بالنضال من أجل التخلص من المخزن.
-التصدي للتصور اللبرالي النخبوي للعمل النسائي من خلال توجيهه نحو العاملات والكادحات بشكل عام.
– إعطاء أهمية خاصة للشباب العامل والكادح وللطلبة من خلال إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كمنظمة لجميع الطلاب والطالبات وفق مبادئها التاريخية المؤسسة.
– إن الدار البيضاء مدينة تتعايش فيها كل مكونات شعبنا. لذلك يجب على القوى المناضلة أن تسعى إلى ترسيخ هذا الواقع من خلال النضال من أجل رفع التهميش على اللغة والثقافة الأمازيغيتين وازدهار كل مكونات هوية الشعب المغربي.
– تركيز النضال الحقوقي على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة وعموم الكادحين.
– توطين الجبهة الاجتماعية في الأحياء الشعبية وتوسيعها وربطها بالنضالات الملموسة في هذه الأحياء واحتضان وتوحيد الحركات النضالية الشعبية وإطلاق المبادرات النضالية دون انتظار.
– توطين الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع في الأحياء الشعبية وتوضيح للجماهير أن التطبيع هو عدوان ضد الشعب المغربي وتقوية للمخزن والكتلة الطبقية السائدة والهيمنة الامبريالية وفتح الباب على مصراعيه لنهب خيرات البلاد وخطر على وحدة الشعب المغربي من خلال تسعير الصهاينة للعداء بين المغاربة الناطقين بالعربية والناطقين بالأمازيغية.
أما القضايا التي يجب أن تركز عليها القوى المناضلة في الدار البيضاء، فهي، بالأساس، القضايا التي تعاني منها الطبقة العاملة وكادحو الأحياء الشعبية والتنظيمات المناضلة:
– القضايا الإجتماعية: الشغل والسكن والتعليم والصحة والنقل وحاليا التركيز على الغلاء.
– قضايا التلوث والبيئة والثقافة والرياضة والترفيه.
– الحريات الديمقراطية: حرية الرأي والتعبير والتنظم والتجمع والتظاهر.
– قمع وتغول المخزن.