عبد الله الحريف: مواصفات وأخلاق المناضل الثوري

عبد الله الحريف: مواصفات وأخلاق المناضل الثوري
الرفيق عبدالله الحريف عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي

مواصفات وأخلاق المناضل الثوري

20 أكتوبر 2012

 

أولا: لا بد من تحديد بعض المفاهيم

1) المناضل الثوري: بالنسبة لنا كماركسيين الثورة ليست فقط تغيير النظام السياسي المستبد بنظام سياسي أخر بل تتعداه إلى تغيير النظام الاجتماعي-الاقتصادي الرأسمالي بالنظام الاشتراكي الذي ينتفي فيه استغلال الإنسان للإنسان، نظام ينبني على التعاون بين المنتجين المبدعين الأحرار على طريق بناء النظام الشيوعي الذي تضمحل فيه الدولة وتنتقل فيه البشرية من سيادة الحاجة إلى سيادة الحرية ويسمح بازدهار الطاقات الإبداعية للإنسان.

الثورة تعني إذن نضالا طويلا يحكمه الإيمان –ليس بالمفهوم الديني لكن بالمفهوم الموضوعي –بقدرة وإمكانية وضرورة أن تتجاوز البشرية نظام الاستغلال وان تبني نظاما عادلا.

إن هذا الإيمان ليس مثالية جديدة أو كما يطرح ذلك الفلاسفة البرجوازيون “مسيانية” بل هو ضرورة، فالرأسمالية غير قابلة للاستمرار لأنها إضافة إلى الاستغلال المكثف، ترمي بثلثي البشرية نحو الفقر والتهميش وتدمر الطبيعة في ظل جموحها اللامتناهي نحو تحقيق الربح.

إن الضرورة لا تعني الحتمية لأننا حين نقول بالحتمية فذلك يعفي المناضلين والمنظمات الماركسية الثورية من دورها الأساسي في تسريع عملية التغيير وقيادتها وتوجيهها. فغياب هذا الدور سيؤدي إلى أن تطول مرحلة الانتقال بل أن تسود البربرية أو نذهب نحو فناء البشرية.

إن ما سبق يعني أن الثورة ستكون سيرورة طويلة تنقسم إلى مراحل تعرف تطورا كميا تتلوها قفزات نوعية. إذن لا يجب اختزالها في فترات القفزات والقطائع. لذلك فان المناضل الثوري هو الذي يتميز بطول النفس .هذا مع العلم أن القطائع نفسها ليست قطائع مع كل ما كان متواجدا من قبل بل هي أيضا قطائع نسبية قابلة للتراجع إذا لم تحسن القوى الثورية استثمار نتائج هذه القطائع للسير إلى الأمام نحو تحقيق التغيير المنشود.

المناضل الثوري يتخندق بجانب الطبقة العاملة وعموم الكادحين ليس انطلاقا من تصور مثالي أو تعاطف إنساني مع المضطهدين بل لان السيرورة التاريخية للتطور تمشي في اتجاه القضاء على كل أشكال الاستغلال والاضطهاد ولان الطبقة العاملة بحكم موقعها في علاقات الإنتاج هي الطبقة التي في مصلحتها القضاء على الاستغلال لأنها تكتوي بناره.

المناضل الثوري جزء من كل لأن الثورة عمل جماعي تقوم به الطبقات التي في مصلحتها التغيير عبر منظماتها وخاصة قواها السياسية.

بالنسبة إلينا التغيير سيمر بمرحلتين: مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي الذي يستهدف القضاء على الهيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة على البلاد ووضع لبنات التحول نحو الاشتراكية، ومرحلة بناء الاشتراكية ثم الشيوعية وانجاز مهام هاتين المرحلتين متوقف على قيادتها من طرف الطبقة العاملة وعموم الكادحين من خلال بناء تنظيمها السياسي المستقل وجبهة الطبقات الشعبية.

الثورة تقوم بها الجماهير المنظمة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وليست فعل نخبة أو نتيجة انقلاب أو مؤامرات.

2) الأخلاق:

إن الأخلاق مفهوم لازال يرتبط في أذهان أغلبية الناس بالدين، بصراع الخير والشر بثنائية الله/الشيطان، وبهذا المعنى، فان هذا المفهوم للأخلاق يلعب دور التعتيم على الصراع الطبقي، أي أن الصراع هو بين الخير والشر وليس بين طبقات مستغلة ومستغلة.

بالنسبة إلى الدين، الناس الخيرون أي ذوو الأخلاق الحميدة سيكافئون في الآخرة. الماركسية تطمح إلى أن يحقق الإنسان إنسانيته وان يتحرر من كل أنواع الاضطهاد والاستغلال في الأرض وليس في السماء. الماركسية تفسر لماذا تحول أنماط الإنتاج المبنية على الاستغلال الإنسان إلى عدو لأخيه الإنسان. الرأسمالية تضيف إلى ذلك تحويل الإنسان إلى بضاعة (قوة عمل تباع في سوق العمل) وتحول العلاقة بين الناس إلى علاقة بين الأشياء.

بالنسبة إلى الأديان الإنسان يتجاذبه الخير والشر وتحاول أن يتغلب الخير على الشر بالموعظة والتخويف من الآخرة. بالنسبة للماركسية، الإنسان ليس خيرا أو شريرا بالفطرة بل إن واقعه الموضوعي (أي موقعه في علاقات الإنتاج) هو الذي يحدد أخلاقه وتعامله.

الأديان والأخلاق التي تحملها هي في جانب منها الشكل المثالي لطموح الإنسان نحو تحقيق إنسانيته. فهي تحافظ على الأغلال التي تكبل الإنسان وتحاول تلطيفها باستعمال الأخلاق (العدل، الإحسان…). الماركسية تهدف إلى تكسير الأغلال وتحرير الإنسان. المناضل الثوري ليس إنسانا يعيش في فراغ. إنه يعيش في عصره وفي بيئته وسيكون من المثالي الظن أنه لا يتأثر بهما. لكن هنا يظهر دور التنظيم الذي يساعده على الرقي بوعيه ويجعله يخضع حياته وسلوكه لمشروع التغيير الذي يؤمن به ويصارع الأفكار والسلوكات التي تناقض هذا المشروع أي كل أشكال الايديولوجيا البرجوازية.الصراع داخل المناضل الثوري ليس صراعا بين الخير والشر بشكل مجرد وغامض بل بين السلوكات والأفكار والممارسات التي تساهم في التقدم نحو التغيير المنشود والسلوكات والأفكار التي تحول دونه.

ثانيا: مواصفات وأخلاق المناضل الثوري

انطلاقا مما سبق، فان أهم مواصفات المناضل الثوري تتمثل فيما يلي:

– التموقع بجانب الطبقة ويعني بالنسبة للمناضلين ذوي الأصول البرجوازية الانتحار الطبقي.
– الصمود والثبات في أحلك الظروف.
– الوعي أن التغيير سيرورة طويلة وليست خطا مستقيما (تعرجات، مد، جزر).
– التواجد المستمر وسط النضالات.
– الصبر والتفاني في العمل النضالي.
– المبادرة والإبداع والسعي باستمرار وبدون تراخي إلى معرفة الواقع.
– الصراع والحزم في مواجهة الأفكار والسلوكات والممارسات التي تضر بالتنظيم (داخليا وفي علاقته بالجماهير) وبالمشروع الثوري الماركسي.
– السلوك الثوري لا يختزل في العمل داخل التنظيم بل هو نمط للعيش اليومي والتزام يومي.
– الصراع ضد كل أشكال الانتهازية في شكليها اليميني (الذي يعني العمل على إخضاع الطبقة العاملة وعموم الكادحين لمصالح البرجوازية والتخلي عن المصالح الجذرية للطبقة العاملة) واليسراوي (الذي يعني خليطا من التنظيرات الثورية المتطرفة أو العدمية البعيدة عن الواقع أو تكتيكات مغامرة يمكن أن تدفع الحركة الثورية إلى أعمال غير مبررة تكون نتائجها التراجع أو الهزائم).
– الصراع ضد التكتلات ورموزها والتي تؤدي غالبا إلى الانشقاقات وبالتالي إضعاف الحركة الثورية.
– مواجهة الجمود العقائدي الذي يتجلى في تقديس النصوص وعزلها عن سياقها ومحاولة إسقاطها على واقع مغاير أو استخدام القوالب الجاهزة والخوف من كل ما هو جديد وبكلمة عدم الارتكاز إلى التحليل الملموس للواقع الملموس.
– الدفاع عن توجهات وبرنامج التنظيم وخاصة نبذ كل أشكال الاضطهاد داخل المجتمع وداخل التنظيم ضد المرأة ومواجهة التعصب الديني والعرقي والاثني والقومي.
– الالتزام بالعمل الجماعي والقيادة الجماعية بالعلاقات المبنية على المركزية-الديمقراطية

وبالمحاسبة الرفاقية وممارسة النقد والنقد الذاتي على الأخطاء والهفوات والنواقص والصراع ضد الزعامية والنجومية، النقد يجب أن يكون صريحا ومباشرا وليس في الخلف وان يستهدف التصحيح وليس الإجهاز.
– الالتزام بالأممية ونبذ الشوفينية.

ويجب ان يتميز المناضل الثوري بالأخلاق التي تجعل منه قدوة يحتدى بها في الأوساط الشعبية ومنها:

– الاستقامة: إن هذه من الخصال الأساسية التي تجعل الجماهير تحترم وتثق في التنظيم من خلال استقامة أعضائه.
– المثابرة والإصرار ومتابعة الأمور حتى تحقيق نتائجها.
– التواضع واحترام الرفاق والجماهير.
– القدرة على محاسبة الذات قبل الآخر.
– الإيثار أو رفض السلوك الأناني والاستعداد للتضحية بالمصالح الشخصية خدمة للتنظيم وللمشروع الثوري الماركسي.
– نبذ الحلقية والنظرة التآمرية في التنظيم وبالنسبة للتصور للتغيير الثوري.
– التآزر والتضامن.

ثالثا: الواقع الحالي في النهج الديمقراطي

لا بد من الإقرار أن الوضع العام في النهج الديمقراطي متردي (ضعف الثقافة التنظيمية، سيادة الممارسات الليبرالية، سلوكات وممارسات لا تمث إلى الأخلاق الشيوعية بصلة).

وإذا كان السبب العميق لهذا الواقع هو ضعف الإيمان بالمشروع الثوري والاستعاضة عنه بالعمل الديمقراطي، وذلك بسبب الانهيارات التي عرفتها تجارب بناء الاشتراكية، فان سيادة الفكر البرجوازي الصغير في التنظيم وسيادة الليبرالية وغياب المحاسبة والصرامة، ربما بارتباط بالعمل في الإطارات الجماهيرية، تكرس هذا الواقع التنظيمي المهلهل.

إن إعادة بناء التنظيم على أسس الصرامة والمحاسبة والالتزام والنقد والنقد الذاتي وإشاعة الأخلاق الشيوعية داخله يتطلب القيام بمجهود كبير على مستوى التكوين والتأطير وان تعطى القيادة الوطنية (الكتابة الوطنية واللجنة الوطنية) والقيادات المحلية والقطاعية المثال وتشكل قدوة لباقي أعضاء وعضوات النهج الديمقراطي.

عبد الله الحريف
20 أكتوبر 2012