انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو، ترجمة مرتضى العبيدي (II)

انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو، ترجمة مرتضى العبيدي (II)
مرتضى لعبيدي: أستاذ باحث تونسي

انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو (الجزء 1/5)

• ترجمة مرتضى العبيدي

2) التوجهات الكبرى لتطوّر الوضع الحالي والحلول المحتملة

إن الاستعمار الفرنسي على استعداد للقيام بأيّ شيء من أجل إنقاذ نظامه وتخريب الحركة الثوريّة، هذا ما صرّح به فرنسوا هولاند بعد تنفيذ الانقلاب الدفاعي الذي حدث يوم 1 نوفمبر من عام2014، والذي قاومه شعبنا.

• شعر الشعب بقوّته وبالمخزون الثوري الذي ينضح به الحراك الشعبي، والذي يرفض أن تغتصب منه ثمار النضال، كما ينوى الشعب تعميق النضال الشعبي من أجل إنجاز الثورة، ومن أجل تحقيق طموحاته الأساسية (يريد أن يرى المحتوى الفعلي للتغيير الذي يطمح إليه).
• إن الأزمة التي تمرّ بها البلاد ما انفكّت تتعمّق، وليس من المؤكّد أنّ البورجوازيّة ستتمكّن من التصرّف والتحكّم في المرحلة الانتقاليّة وضمان الاستقرار، خاصّة وأنّ الإجراءات التي تمّ اتخاذها من أجل حماية زعماء النظام السّابق، ومحاولات توحيد القوى البروجوازيّة من أجل ضرب الحراك الثوري قد تمّ رفضها من الشعب.

وعلى هذا الأساس، فإن الحلول المحتملة للخروج من الوضع الحالي في بلادنا، هي التّالية:

• إن المناورات الحاليّة للامبرياليّة، وخاصّة الفرنسيّة لتشريك المعارضة البورجوازية المحافظة والانقلابيّين، وكلّ القوى الرّجعيّة والمحافظة (الكهنوت المسيحي والبروتستاني والمسلمين، والمعتقدات الأخرى) بمعاضدة منظمة الوحدة الإفريقيّة والمجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربيّة ومنظمة الأمم المتحدة، وجميعها يدفع نحو تركيز نظام استعماريّ جديد عبر الانتخابات في إطار حلّ إصلاحي؛ وهو أسوأ الحلول.
• والحلّ الأكثر خطورة يتمثّل في إمكانية اندلاع حرب أهليّة خاصّة بالنظر إلى الانقسامات والتناقضات التي تشقّ كلاّ من المعارضة البورجوازية المحافظة وقوى الدفاع والأمن، والسعي إلى تشريك المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدّم في عمليّة الانتقال مع إمكانية تعزيز التواجد العسكري وما يمكن أن يسبّبه من قهر وخراب لدى شعبنا.
• ويظلّ الحلّ الثوري أسلم الحلول، وهو يتمثّل في تعميق وتعزيز الحراك الثوري من أجل انتصار الثورة.

 

3) بعض الدروس الأساسيّة المستخلصة من الانتفاضة الشعبيّة ليومي 30 و31 أكتوبر 2014

هذه هي الدروس المستخلصة، وبشكل غير مطوّل، من الانتفاضة الشعبيّة ليومي 30 و31 أكتوبر 2014 من أجل إحكام تنظيم الثورة.

1) إن النسق السّريع للتاريخ قد وضع أمام شعبنا ضرورة الانتفاضة؛ وقد خاضها بشجاعة وحزم واستبسال في كلّ أنحاء البلاد، وإن لم تكن كلّ الظروف متوفّرة لإنجاح الانتفاضة العامّة المسلّحة (في مستوى درجة التنظيم، تسليح الشعب، قيادة صارمة للبروليتاريا وحزبها الطلائعي) .إن الحزب، واعتمادا على المبدأ اللينيني، قد شارك بشكل نشيط في الانتفاضة الشعبيّة، وقدّر ولا زال، الأحداث التي تمّ خوضها بشجاعة، وبطولة، ووضوح رؤية، وحزم. إن هذه الانتفاضة الشعبيّة، ذات البعد التّاريخي، والتي خاضها شعبنا بمشاركة الحزب، قد حصلت على دعم ومساندة الشعوب الإفريقيّة والعالم. لا شيء يمكن أن يظلّ على حاله. فقد وضعت هذه الانتفاضة بصَمتها بصورة نهائيّة في ذاكرة شعبنا، ويمكن اعتبارها تدريبا من أجل حسن الاستعداد للانتفاضة الشعبيّة العامّة والمسلّحة تحت قيادة الحزب الشيوعي الثّوري لفولتا العليا من أجل تحقيق الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة والشعبيّة، وإرساء النظام الثوري المؤقت والجمعيّة التأسيسيّة. وقد أكّدت هذه الانتفاضة، وبشكل صريح، صحّة الخطّ السياسيّ للحزب الشيوعي، وصحّة تكتيكنا فيما يتعلّق بالانتفاضة وبشعاراتها.

2) إنّ المعارضة البورجوازية المحافظة، وأعوانها داخل منظّمات المجتمع المدني، منزعجون من قوّة وحزم الانتفاضة الشعبيّة، وفضّلوا الطريقة الانقلابيّة تحت قيادة فوج الأمن الرّئاسي والامبرياليّة الفرنسية. وقد كشفتهم الانتفاضة على أنهم انقلابيين من الطراز الرديء، ومجرّد خدم للامبرياليّة الفرنسيّة، وأن لا علاقة لهم بالشعب.

3) هذه مسألة سياسيّة لا بدّ من توضيحها نظرا إلى أنهم يغالطون أجزاء كبيرة من الجماهير بالديماغوجيا التي يحترفونها. كان لا بدّ من هذا التوضيح حتى ينظر لهم النّاس كما هم في الحقيقة، وينفصلون عنهم. هذا بالإضافة إلى أنّهم، وفي سعيهم إلى الرّكوب على الحراك الثوري، وفي حديثهم الديماغوجي عن “التغيير”، وفي رفعهم في وقت من الأوقات لمطالب التحالف ضدّ غلاء المعيشة، قد قاموا، وعلى برؤوس الملإ:

• بالدعوة إلى الانقلاب المضادّ للثورة ومساندته
• بالاعتراف بصوت زعيمهم زيفران ديابري أنّهم كانوا يرغبون فقط في سحب القانون الذي يدخل تعديلات على دستور 1991 من أجل تمكين بلاز كومباوري من البقاء في السلطة حتّى 2015.
• بالاعتراف بعجزهم على السيطرة على الانتفاضة التي قامت أيّام 30 و31 أكتوبر، والتي تباينوا معها، بل إنّهم قد ندّدوا بها عند مساندتهم للانقلاب الذي نظمه فوج الأمن الرّئاسي والامبرياليّة الفرنسية.
• بمساندة مخطّط الامبرياليّة الفرنسيّة من أجل انتقال سلمي، ومن أجل “العودة إلى حياة دستوريّة طبيعيّة” تدمج حزب المؤتمر من أجل الديمقراطيّة والتقدّم وحلفائهم في الجبهة الجمهوريّة لتعزيز النظام الاستعماري الجديد والبورجوازيّة.

4) لقد أكّدت الامبرياليّة الفرنسّية على عزمها ضرب كلّ حراك ثوريّ في بلادنا وإن اقتضى الأمر أن يتدخّل بشكل عسكريّ مباشر بجيوشه، وذلك بالنظر إلى الأهمّيّة التي تمثّلها بلادنا، مثلما عبّر عن ذلك فرانسوا هولاند، من أجل حماية مصالح فرنسا السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة، والجيوستراتيجيّة، والجيوسياسيّة في بلادنا وفي المنطقة. وقد برهن على ذلك ب:

• الانقلاب المضادّ للثورة الذي قام به فوج الأمن الرئاسي، والضغط على كبار الضبّاط الفاسدين لمساندة القوى الرجعيّة للبلاد والخاضعة إلى سلطته، وتهريب بلاز كوباوري وعائلته؛
• تنظيم الانتقال الذي تمّ السماح فيه بعودة اللعبة السياسيّة لحزب المؤتمر من أجل الديمقراطيّة والتقدّم وحلفائهم، الذين فرضهم على بقيّة عملائه في إطار مناورة ومؤامرة مضادّة للثورة بدعم من منظمة الوحدة الإفريقيّة، والمجموعة الاقتصاديّة لدول إفريقيا الغربيّة ومنظمة الأمم المتّحدة والمنظمة العالمية للفرنكوفونيّة. ومن الواضح في هذا الظرف، أنّ تصفية الحزب الشيوعي الثّوري لفولتا العليا في صميم هذا المخطّط.

5) تخوض جماهير الفلاّحين، وفي كثير من أنحاء البلاد، نضالات قويّة (ضدّ المصادرة، ظروف العيش الهشّة، مختلف أشكال الاضطهاد والاستغلال…) والتي تأخذ في بعض الأحيان شكل الانتفاضة. لقد ساهمت كلّ هذه النضالات في زعزعة أسس الجمهوريّة الخامسة، ووضعت الشروط لاندلاع الانتفاضة الشعبيّة والتي شاركت فيها الجماهير الفلاحيّة في بعض المناطق. وعلى أساس الأرضيّة السياسيّة من أجل التغيير الثّوري، والبرنامج الزراعي للحزب الشيوعي الثّوري الفولتييكي، يتعيّن على الطبقة العاملة والشعب، وكل الديمقراطيّين والتقدّميين والثوريّين أن:

• يكثّفوا العمل الثوري في أوساط الفلاّحين، وخاصّة البروليتاريا الفلاحيّة وأشباه البروليتاريا والفلاحين الفقراء.
• إحكام تنظيم التحالف الثوري بين الطبقة العاملة والفلاّحين بالاعتماد على مكاسب الانتفاضة.

6) لعبت البورجوازيّة الصّغيرة، والمرتفعة العدد في بلادنا، دورا هامّا في النضال الذي خاضه الشعب خلال أيّام الانتفاضة، أيّام 30 و31 أكتوبر، وكذلك أيّام 1 و2 نوفمبر 2014. فهناك بعض المنظّمات التي تمثّل هذه الشّرائح تتأرجح بين مواقف البروليتاريا ومواقف البورجوازيّة والامبرياليّة. وخوفا من قوّة الانتفاضة الشعبيّة، التحقوا بالانقلابيين. ويهمّ الطبقة العاملة والشعب والشبيبة الثوريّة أن تتباين مع هذه التيّارات والأوهام الانقلابيّة والإصلاحية التي تحملها.

7) شارك عدد كبير من مناضلي(لات) المنظمات الديمقراطيّة الجماهيريّة (نقابات، منظمات شبابيّة، منظّمات نسائيّة، منظّمات الدفاع حقوق الإنسان ومنظّمات أخرى مختلفة…) بصورة نشيطة في الانتفاضة الشعبيّة. وقد برهنوا على قدر من الشجاعة والنضاليّة والاستبسال. وانطلاقا من مكاسب الانتفاضة الشعبيّة، التي انغرست إلى الأبد في أذهان مختلف مكوّنات الشعب، فإن هذه المنظّمات، وأكثر من أيّ وقت مضى، تتوفّر لديها الشّروط من أجل:

• تعزيز هذه المنظمات وتثويرها
• إحكام تنظيمها، وربط نضالها الخصوصيّ، بالنضال من أجل الحرّيّة السياسيّة والتحرّر الوطني والاجتماعي.

هكذا إذن، أكّدت الانتفاضة الشعبيّة على أن بلادنا تعيش وضعا ثوريّا، وأنّه يجب السعي إلى تحقيق الثّورة، وعلينا أن نعتبر أن الانتفاضة التي حصلت هي بمثابة التدريب من أجل إنجاز الانتفاضة العامّة المسلّحة، التي هي وحدها القادرة على تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية والشعبيّة، باعتبارها البديل الوحيد عن الأزمة العميقة التي يعيشها مجتمعنا.

يتبع


انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو، ترجمة مرتضى العبيدي (I)