انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو (IV)
انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو (4/5)
ترجمة مرتضى العبيدي
3. تركيز الحكومة الثوريّة المؤقتة
بعد انتصار الثورة، وبمساعدة الحزب الشيوعي الثوري، تركّز الطبقة العاملة والفلاحون وبقيّة مكوّنات المجتمع المدني الحكومة الثوريّة المؤقّتة. وباعتبارها جهاز الانتفاضة، تتركّب الحكومة الثوريّة المؤقّتة من كلّ القوى السياسيّة والاجتماعيّة التي شاركت بصفة فعليّة وملموسة في انتصار الانتفاضة العامّة والمسلّحة، ومن ضمنها الممثلون السياسيّون للطبقة العاملة والفلاّحين، القوى المحرّكة للثّورة.
تنفّذ الحكومة الثوريّة المؤقّتة المهام التالية:
• تحقيق البرنامج الأدنى للحزب الشيوعي الثوري، والذي يحتوي على برنامج الإصلاح الزراعي.
• تدعو الحكومة مجلسا تأسيسيا وتضع على ذمّته الأدوات والوسائل الضروريّة للقيام بدوره، والذي هو دور في غاية الأهميّة.
• تدافع عن مكاسب الثورة، وتنظّم وتقود بطريقة مظفّرة النضال ضدّ الثورة المضادّة سواء داخل البلاد أو خارجها. وتضمن النصر النهائي للثورة على الامبريالية بصورة عامّة، والفرنسيّة بصورة خاصّة وحلفائها المحليّين عبر إرساء الديكتاتوريّة الدّيمقراطيّة والثورية للطبقة العاملة والفلاّحين والتي يجب ضرورة أن ترتكز على القوّة المسلّحة، وعلى تسليح الجماهير، وعلى الانتفاضة.
وبالفعل، فإن التغييرات الضرورية والآنيّة التي يجب أن تنجزها كلّ من الطبقة العاملة والفلاحين وبقيّة مكوّنات المجتمع، لا بدّ أن تخلق حركة مقاومة لدى الطبقات والشرائح الرّجعيّة، ولدى الامبرياليّة، وبخاصّة الفرنسيّة، مقاومة لن تكون إلاّ شرسة ويائسة. وبدون الديكتاتوريّة الديمقراطيّة الثوريّة للطبقة العاملة، يصبح من المستحيل القضاء على هذه المقاومة، وإفشال محاولات الثورة المضادّة بما فيها التدخّل الأجنبي.
4. تركيز المجلس التأسيسي
تتمثّل إحدى أهمّ المهامّ بالنسبة للحكومة الثوريّة المؤقّتة، تركيز المجلس الوطني التأسيسي وذلك بالاعتماد على الانتفاضة العامّة المسلّحة وعلى الشعب المسلّح.
يأخذ المجلس التأسيسي شرعيّته من الانتفاضة العامّة المسلّحة ومن الثورة المظفّرة التي حقّقتها الطبقة العاملة والفلاحين وغيرهما من مكوّنات المجتمع، ويتسّم بالثوريّة والقدرة على اتخاذ قرارات ثوريّة، بمساندة الحكومة الثوريّة المؤقّتة، من أجل حماية مكاسب الثورة ومصالح الشعب. وبالتالي، فإنّ أعضاءه المنتخبون بالاقتراع العامّ، والذين ينحدرون ضرورة من أبناء الشعب الذين أنجزوا الانتفاضة العامّة المسلّحة. لا يمكن لأعداء الثورة، أو اللصوص أو مخرّبي الاقتصاد الوطنيّ ومرتكبي جرائم اقتصاديّة أو جرائم قتل أن يكونوا أعضاء في المجلس، فهم محرومون من حقوقهم المدنيّة والسياسيّة، ولا يحقّ لهم المشاركة في الشأن العامّ.
ونظرا للوضع الاجتماعيّ الجديد، والتغييرات الثوريّة الهامّة التي يجب أن تنجزها الثورة الظافرة، فإنّه يوكل إلى المجلس التأسيسي مهمّة صياغة دستور جديد، ووضع مؤسّسات جديدة. ويجب أن يتضمّن الدستور ما يلي:
• تحديد طبيعة النظام الاجتماعي الثوري بالتناسق مع طموحات ومصالح الطبقة العاملة والفلاحين وبقيّة مكوّنات المجتمع
• الاعتماد على مكاسب الثورة لتكريس التغييرات الاقتصادية والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة والعسكريّة في النصوص التشريعيّة
• تركيز مؤسّسات لصاح الشعب وفي انسجام مع النظام الاجتماعي الثوري، وتكريس شرعيّة ثوريّة جديدة كبديل للشّرعيّة البورجوازية الرّجعيّة والطبقات المالكة التي تمّ كنسها من السلطة
ومن أجل تكريس هذه المهمّات، يعتمد المجلس التأسيسي على القوّة المسلّحة للحكومة الثوريّة المؤقتة وكذلك على الانتفاضة العامّة المسلّحة. وهنا نذكُر فرديناند لاسال، قائد الحركة العمّاليّة الألمانيّة في القرن التاسع عشر، والذي كانت له نظرة ثاقبة، عندما أكّد على المبادئ الأساسيّة لفنّ صناعة القوانين والقانون الدستوري، مبادئ أكّد تاريخ الشعوب صحّتها وبعد نظرها:
• إن القضايا الدستوريّة ليست قضايا قانونيّة، بل هي قضايا مرتبطة بموازين قوى. فالدستور الحقيقيّ في بلد ما، لا يخرج عن علاقات القوّة الفعليّة في ذاك البلد.
• إن الدساتير الغير مكتوبة لا قيمة لها ولا حياة لها ما لم تكن متلائمة مع الواقع المجتمعي.
يحاول المختصّون في القانون الدستوري الرجعيّون تقديم هذه المبادئ الدستوريّة في بلادنا على أنّها خارجة عن الصراع الطبقي، ويحاولون تجميل القانون رغبة منهم في الدفاع على دستور 1991 (الذي رفضته انتفاضة 30 و31 أكتوبر 2014) محاولين “إكماله” بميثاق الانتقال. وهو ما يجعلهم يدافعون عن الشّرعيّة البورجوازيّة، والنظام البورجوازي الاستعماريّ الجديد خلال وبعد مرحلة الانتقال معتمدين في ذلك على قوّة النار لفوج الأمن الرئاسيّ. وفي حماسته تلك، تجرّأ الأستاذ لوآدا، الوزير الحالي للوظيفة العموميّة وصرّح على موجات الإذاعة والتلفزة لبوركينا فاسو أنّه لم يحصل انقلاب أصلا في غرّة نوفمبر من العام 2014!
وفي الحقيقة، فإنّ القانون باعتباره أحد عناصر البنية الفوقيّة لنظام اقتصاديّ واجتماعيّ معيّن، لا يمكن إلاّ أن يكون ثمرة ذاك المجتمع. إن القانون كائن حيّ، ديناميكيّ، ولا يمكن إلاّ أن يحمل المحتوى الطبقي لطبقة معيّنة، تلك التي ينتمي إلى أحد مكوّنات بنيتها الفوقيّة. فالقانون لا يمكن أن يكون خارجا عن واقع المجتمع، وعن منظومة الصراع الطبقي كما يدّعي ذلك إيديولوجيّو ومنظّرو القانون البورجوازي.
ففي المنظومة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الرأسماليّة، يتّخذ القانون طابعا بورجوازيّا. وهكذا، ومن أجل تطوير الرأسماليّة وتعزيزها، كان على البورجوازية الفرنسية في 1789 عندما كانت ثوريّة أن:
• أن تقضي على المنظومة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الإقطاعية – ببنيتها التحتيّة والفوقية (بما في ذلك القانون الإقطاعي) – وتحرير الأفراد من القنانة، ومن علاقات التبعيّة الشخصيّة، لتجعل منهم منتجين أحرارا ضمن النظام الرأسماليّ.
• أن تضع قانونا بورجوازيّا يعبّر عن علاقات الإنتاج الجديدة، ولصالح قوى الإنتاج الجديدة أيضا.
• أن تركّز المؤسّسات السياسيّة التي تكرّس سلطتها، وأن تنظّر للديمقراطيّة البورجوازيّة على أنّها الشكل الوحيد الممكن للديمقراطيّة، والحال أنّها ديكتاتوريّة طبقتها على بقيّة الطبقات والشرائح الاجتماعيّة الأخرى.
أ- البرنامج الذي يجب تنفيذه بعد انتصار الثورة الوطنيّة الديمقراطية والشعبيّة
تسعى الحكومة الثوريّة المؤقتة، بعد انتصار الانتفاضة العامّة المسلّحة إلى تنفيذ البرنامج الثوري بشكل كامل، ونقصد هنا البرنامج الأدنى للحزب الشيوعي الثوري لفولتا العليا والمتمثّل في التغييرات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة بصورة آنيّة، وهي تغييرات ممكنه التحقيق من ناحية، بالنظر إلى العلاقات الاقتصادية والاجتماعيّة والثقافيّة الحاليّة، وضروريّة من ناحية أخرى، من أجل المضيّ في اتجاه بناء الاشتراكيّة. إن هذا البرنامج الثوري، والذي لا يشكّك في الملكيّة الخاصّة، والقائم على الاقتصاد السّلعي، سيحقّق الأهداف التالية:
على المستوى السياسي
1- طرد الامبرياليّة، والفرنسيّة خاصّة، وقلب نظام الطبقات والشرائح الاجتماعيّة التي تعتمد عليها في بلادنا، وتدمير جهاز الدولة الاستعماري الجديد، وتفكيك القواعد العسكريّة الأجنبيّة وطرد قوى الاحتلال الاستعماري من بلادنا.
2- التنديد بكل الاتفاقيات، بما فيها الاتفاقيات السرّيّة التي تمّ عقدها مع مختلف الحكومات الرجعيّة المتعاقبة، مع السلطات الاستعماريّة.
3- تركيز حكومة ثوريّة مؤقتة وذلك بمجرّد انتصار الانتفاضة، من مهامّها البدء في تحقيق هذه الأرضيّة من أجل إنجاز التغييرات الاقتصادية والسياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة الضروريّة حتى يتمكّن بلدنا من الانخراط في طريق الحداثة والتقدم الاجتماعيّ.
4- محاكمة مرتكبي جرائم الدم والجرائم الاقتصاديّة وحرمان الذين يتبّن أنّهم مذنبون من ممارسة الشأن العام.
5- مصادرة أملاك مرتكبي الجرائم الاقتصاديّة ووضعها على ذمّة الدولة الجديدة من أجل حلّ مشاكل الشعب.
6- دعوة المجلس التأسيسي الذي يتم انتخاب أعضائه بشكل ديمقراطي من طرف الشعب بواسطة انتخابات حرّة وشفّافة. تمتيع المجلس التأسيسي بمساندة السلطة الثوريّة، الذي من مهامّه وضع أسس مؤسّسات الدولة الديمقراطيّة الحديثة عبر صياغة قوانين تستجيب إلى الطموحات العميقة للشعب. ولا يمكن أن يكون عضوا في المجلس التأسيسي المجرمون السياسيّون أو من أصدروا أوامر من أجل ارتكاب الجرائم، كما لا يمكن أن يدخل المجلس التأسيسي اللصوص الذين خرّبوا اقتصاد البلاد، فهؤلاء جميعا يحرمون من حقوقهم السياسيّة.
7- تأسيس دولة علمانيّة وشعبيّة، تكرّس سلطة العمّال والفلاّحين، وتحقّق الاستقلال الوطني التام والفعلي لفولتا العليا المسمّاة بوركينا فاسو.
8- تركيز سيادة الشعب: يمارس الشعب سلطته المطلقة عبر ممثّليه المنتخبين من طرف الشعب الذي يمكنه أن يسحب منهم هذه السلطة في أيّ وقت.
9- تركيز سلطة لامركزيّة عبر إعطاء المناطق، التي يتمّ إنشاؤها باعتماد مقاييس محدّدة مثل التاريخ والعادات والانسجام الاقتصادي والاجتماعي لسكّاننا، حكما ذاتيّا حقيقيّا.
10- انتخاب السلطات الإداريّة، والقضاة والمسؤولين العسكريّين، ويمكن التراجع في إسناد هذه المسؤوليات من طرف الناخبين في أيّ وقت.
11- ضمان وجود رقابة شعبية على التصرّف في الشؤون العامّة، ومعاقبة الجناة وكل من لا يحترم قوانين الدولة الديمقراطية والشعبية.
12- ضمان حرية الضمير، وحريّة التعبير والصّحافة والاجتماع، والتظاهر والإضراب والتنقل لكافّة أفراد الشعب، وضمان حرمة الفرد والمسكن.
13- تكريس المساواة التّامة بين المواطنين مهما كان الجنس أو الدّين أو اللون أو الجنسيّة.
14- حلّ مسألة القوميّات بشكل سليم وذلك عبر تحرير مختلف القوميات، وتكريس المساواة والوحدة بينها.
15- تنظيم الجيش الثوري الذي يكون لكلّ فرد فيه اختصاص فعليّ، وتركيز الخدمة العسكريّة للشعب، ووضع الجيش في خدمة بناء الوطن.
16- إعادة إدماج كلّ العناصر التي تمّت معاقبتهم أو إبعادهم على أسس سياسيّة اعتباطيّة، وتمكينهم من رتبهم وحقوقهم.
17- ضمان الحقّ في التنظّم النقابي لكلّ أفراد الأمن الوطني.
18- مساندة نضالات الشعوب ضدّ الاضطهاد والاستغلال، وتركيز علاقات مع الدّول الصّديقة دون رفض التعامل مع الدّول التي تختلف نظمها السياسيّة، وذلك على أساس مبدإ المساواة في المصالح والمنافع المتبادلة دون التدخل في الشؤون الداخليّة لمختلف الأطراف.
يتبع
انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو، ترجمة مرتضى العبيدي (III)
انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو، ترجمة مرتضى العبيدي (II)
انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو، ترجمة مرتضى العبيدي (I)