التقرير السياسي المقدم للمجلس الوطني المنعقد بتاريخ 17 شتنبر 2023
بتاريخ 17 شتنبر 2023 انعقد بالرباط، المجلس الوطني لحزب النهج الديمقراطي العمالي في دورته الأولى بعد المؤتمر الوطني الخامس. تحت شعار: “كل النضالات الشعبية لمواجهة آثار الزلزال في الجهات المتضررة وفرض اعلانها منطقة منكوبة”. في دورة حملت اسم: “التضامن مع ضحايا الزلزال في المغرب والاعصار والفيضانات في ليبيا، تقدم في مستهله الرفيق جمال براجع الأمين الوطني للحزب بتقرير سياسي شامل باسم المكتب السياسي ومما جاء فيه:
على الصعيد الدولي:
– استمرار أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي التي انفجرت في 2008، والتي تفاقمت مع تداعيات جائحة كورنا والحرب في أوكرانيا. وأمام عجزها عن معالجتها أو التخفيف منها تلجأ الدول الرأسمالية الإمبريالية ومؤسساتها المالية إلى تعميق وتشديد سياسات التقشف بالإجهاز على المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة وتكثيف استغلال الشعوب ومواردها الطبيعية وإغراقها بالمزيد من الديون خدمة لمصالح الاحتكارات الرأسمالية العالمية. وهذا ما يفسر لماذا أصبح معظم سكان العالم يعيشون في الفقر والبطالة والتهميش والبؤس الاجتماعي.
انفجار نضالات قوية للطبقة العاملة والشعوب سواء في دول المركز أو دول المحيط الرأسمالي كما هو الأمر في افريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها ضد الاستغلال ونهب الدول الرأسمالية الامبريالية وعملاءها المحليين. إلا أن هذه النضالات غالبا ما تفشل أو تحقق نتائج محدودة. ويعود السبب بالدرجة الأولى إلى ضعف أو غياب أدوات النضال الطبقي من أحزاب ثورية ونقابات مكافحة.
ولعل أهم تطور على المستوى الدولي، في ظل احتدام التناقضات وسط المنظومة الرأسمالية، والذي سرعته الحرب في اوكرانيا وعززته التطورات الأخيرة في إفريقيا، بين القوى الرأسمالية الامبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الصاعدة في مجموعة “البريكس” بقيادة الصين وروسيا، هو إمكانية للتلاقي الموضوعي بين تنامي عداء الشعوب للإمبريالية الامريكية والفرنسية خصوصا والغربية بشكل عام، وطموحها إلى عالم متحرر من الهيمنة الامبريالية، عالم أكثر عدلا ومساواة من جهة، ومحاولات العديد من الأنظمة والقوى، إما تقليص تبعيتها لهذه الامبريالية أو مواجهة هيمنتها، بما في ذلك عسكريا، كما هو الحال بالنسبة لروسيا الآن في أوكرانيا، وكما قد يقع بالنسبة للصين قريبا من جهة أخرى. هكذا سيعرف العالم تغيرات جوهرية تتمثل في تكريس عالم متعدد الأقطاب: القطب الذي تتشكل نواته الصلبة من الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا الغربية واليابان والقطب الذي تتشكل نواته الصلبة من الصين وروسيا وأقطاب إقليمية قد ترتبط بهذا القطب أو ذاك أو تكون محايدة. إن هذه التطورات، لكونها تؤدي، في نهاية المطاف، إلى تصفية هيمنة الرأسمال المالي الغربي الريعي والمفترس المسئول الأساسي عن انتشار الحروب ونهب الخيرات الطبيعية والتدمير المتسارع للبيئة وفرض السياسات الليبرالية المتوحشة التي تنشر الفقر وتعمق الفوارق الطبقية، على مناطق شاسعة من المعمور وغالبية سكان العالم، فإنها في مصلحة الشعوب والطبقات العاملة.
إن التوسع الذي عرفته منظمة “بريكس” يسير في هذا الاتجاه: فمن خلال ادماج ثلاث منتجين كبار للنفط (السعودية وإيران والامارات العربية المتحدة) تصبح هذه المنظمة تتحكم في 60 في المئة من انتاجه. وإذا أخدنا بعين الاعتبار أن الدولار يستمد قوته من كون الولايات المتحدة الامريكية كانت قد فرضت استعمال الدولار في المبادلات النفطية، فإن هذا التوسع يكيل ضربة قاسية للدولار. كما أن ادماج مصر واثيوبيا راجع إلى موقعهما الاستراتيجي: فمصر تراقب قناة السويس التي تربط بين البحر البيض المتوسط والبحر الأحمر، بينما اثيوبيا تراقب الممر بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. أما ادماج الأرجنتين، فيستهدف تقوية وجود المنظمة في “الحديقة الخلفية” للولايات المتحدة لأمريكية (أمريكا اللاتينية).
على الصعيد القاري والإقليمي:
تعكس التطورات التي تعرفها القارة الإفريقية نهضة الشعوب الإفريقية وتوجهها نحو رفض والتخلص من الهيمنة الامبريالية الغربية المسؤولة عن تفقيرها وتخلفها واستنزاف ثرواتها، حيث تعيش منطقة غرب إفريقيا موجة شعبية عارمة وعميقة للتخلص من هذه الهيمنة ومن أجل الوحدة، كان لها تأثير سياسي قوي تجلى في حدوث انقلابات عسكرية أودت بأنظمة عملية للإمبريالية وخاصة الفرنسية في مالي وبوركينافاصو وغينيا والنيجر. ويبقى دور القوى الثورية والديمقراطية في القارة أساسي في توجيه هذه الموجات الشعبية نحو أفقها التحرري الديمقراطي والاشتراكي. مما يفرض خلق أكبر جبهة لمناهضة الامبريالية وعملاءها بالقارة.
أما في العالم العربي والمغاربي، فإن أهم تطور هو انطلاق الكفاح المسلح في الضفة الغربية وصمود محور المقاومة المتكون من إيران وسوريا واليمن وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية. ومما يساعد على ذلك هو الانفراج السياسي في المنطقة بعد الاتفاق الإيراني السعودي وعودة العلاقات السورية السعوديةوتصاعد الدعم الشعبي في العالم للقضية الفلسطينية وانفضاح الطبيعة الاستعمارية والاستئصالية والعنصرية للكيان الصهيوني. إن هذا الواقع، والمرتبط بصمود المقاومة وبالتحولات الجيوسياسية في العالم وفي المنطقة هو ما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تحريك أداتها الإرهابية في المنطقة (داعش) في شمال سوريا لإعادة فرض وجودها وتأثيرها من جديد.
أما في السودان فما زال هناك استمرار للصراع الدموي المسلح بين مكوني السلطة الحاكمة (المكون العسكري بزعامة “البرهان” وقوات الدعم السريع بقيادة “الحميداتي”) حول السلطة وثروات البلاد وبتوجيه من طرق بعض الدول الأجنبية والإقليمية المتنافسة حول ثروات السودان الغنية والمتنوعة. وفي المقابل ما زال الشعب السوداني بقيادة قواه الوطنية والثورية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني،يناضل من أجل السلام والأمن وتحقيق أهداف الثورة.
على الصعيد الوطني:
تعيش بلادنا مفارقة تتمثل في كون النظام السياسي يعاني من أزمة سياسية تتجسد في فقدان الشعب الثقة في مؤسساته المختلفة (80 في المئة من الكتلة الناخبة تقاطع الانتخابات التشريعية، برلمان ومجلس المستشارين ومجالس محلية يلعبون دور غرف للتسجيل بسبب خضوعهم للسلطة لقرارات والعديد من المجالس الخاصة الصورية) وازمة اقتصادية خانقة بسبب الموقع المتخلف والتبعي لبلادنا في قسمة العمل على المستوى الدولي، أزمة يعمقها الفساد بكل أنواعه (الرشوة والمحسوبية والزبونية والاختلاس…)، وترخي بضلالها على الوضع الاجتماعي المتأزم الذي يلقي بالأغلبية الساحقة من الشعب نحو مستنقع الفقر والبطالة والهشاشة وكل مظاهر البؤس الاجتماعي (أكثر من ثلثي المغاربة فقراء والبطالة تجاوزت 13 في الماة حسب الإحصاءات الرسمية…). هذه الأزمة الخانقة تواجهها الجماهير الكادحة، أكثر فأكثر، بالاحتجاج السلمي المتنوع الأشكال في الشارع. لكن النتيجة تكون، في الغالب، سلبية، ليس فقط بسبب لجوء النظام، أكثر فأكثر، إلى القمع، بل أيضا وأساسا بسبب ضعف أو غياب أدواتها النضالية (الحزب والنقابة وبشكل عام أدوات الدفاع الذاتي). ولذلك تظل هاته النضالات، في الغالب، معزولة، يسهل إجهاضها، ولا تتحول إلى حركات ممأسسة، ولا تستطيع إحداث تراكمات تؤثر إيجابا في تغيير موازين الصراع لصالح التغيير.
وهذا ما يؤكد سدادة وراهنية وأهمية السيرورة الثانية أي العمل من أجل أن تبني الجماهير الشعبية، وخاصة الكادحة، تنظيماتها الذاتية، وأن تتوحد هاته التنظيمات أكثر فأكثر. لذلك من أهم المهام التي تطرح علينا تنظيم التضامن والدعم لهاته النضالات والمشاركة فيها والمساهمة في تأطيرها وتوجيهها لتحقيق أهدافها.
إن الزلزال العنيف الذي ضرب بلادنا ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023 وما خلفه لحد الآن من خسائر بشرية ومادية فادحة في ظل غياب وتأخر واضطراب عمليات إنقاذ ودعم الضحايا وإيصال المساعدات الغذائية والأدوية وغيرها إلى المناطق المنكوبة، يؤكد المستوى الخطير من التهميش والتفقير والهشاشة الذي أوصل إليه النظام المخزني الاستبدادي جماهير شعبنا بسبب سياساته الرأسمالية المتوحشة. وفي المقابل يؤكد تطور وعي الشعب المغربي وتشبثه بقيمه الأصيلة في التضامن والتآزر والتضحية، وهو ما عبرت عنه هبته التلقائية عبر ربوع الوطن في جمع وتنظيم وتوجيه الدعم للمناطق المتضررة.
وكتفاعل ضروري وتلقائي أعلن المكتب السياسي حالة الاستنفار في الحزبوخاصة في فروعالجهتين المنكوبتين جهة مراكش/آسفي وجهة الجنوب.وأصدر بلاغا في الموضوع طالب فيه اعتبار المناطق المتضررة مناطق منكوبة، وتعميما للفروع، وشكل “خلية الزلزال” كلفت بمتابعة الوضع عن كثب مع الفرعين الجهويين بمراكش/أسفي والجنوب ومن خلالهما مع فروع الجهتين، وتم تشكيل خليتين محليتين بكل جهة وتكليف الخلية المركزية بإعداد مشروع برنامج نضالي وملفات مطلبية تصاغ بمشاركة المتضررين/ات في الجهتين. كما تم تشكيل لجنة مكلفة بتنظيم زيارة المكتب السياسي للمناطق المنكوبة بتنسيق مع فروع الجهتين المنكوبتين.
ونظرا للحالة الاستعجالية لمتابعة مخلفات الزلزال على الجهتين المنكوبتين كان من الضروري إجراء تعديلات على أنشطة الحزب لإتاحة الفرصة لتناول المستجدات السياسية والنضالية المرتبطة بالزلزال وآثاره وسياسات النظام ذات الصلة.
وتعرف أجزاء كبيرة من الطبقات الوسطى سيرورة متسارعة من التفقير بسبب الهجوم النيوليبرالي عليها وضعف القوى السياسية والنقابية التي تمثلها والتي استطاع النظام احتوائها (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية) أو اختراقها (الحزب الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار)، بينما لم تستطع القوى الاسلامية لعب هذا الدور بسبب خضوع حزب العدالة والتنمية للمخزن وانتظارية جماعة العدل والإحسان. إن هذا الوضع يفرض علينا كحزب أن نربط جسور النضال الوحدوي وأواصر التضامن بين هذه الفئات المتضررة وبين الطبقة العاملة وعموم الكادحين عبر الآليات والوسائل المتاحة والممكنة.
إن الطبقة العاملة المغربية عرفت تطورات كمية ونوعية هائلة: 4،5 مليون شخص يشتغلون في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. طبقة عاملة تتميز بالتشبيب والتأنيث ومستوى تعليمي معتبر. لكنها تعاني من الهشاشة وضعف الأجور والاستغلال المكثف وتتعرض للطرد. طبقة عاملة تخوض نضالات قوية وطويلة النفس. لكن، غالبا، بنتائج ضعيفة أو منعدمة. والسبب الرئيسي لهذا الوضع هوضعف الحزب الذي يمثل مصلحتها في القضاء على الاستغلال وضعف الحركة النقابية وتشتتها وتبقرط أغلب مكوناتها.
ومن جهة أخرى يعاني الفلاحون الفقراء من سيرورة متسارعة ومتواصلة من التفقير والبلترة بسبب استيلاء ملاكي الأراضي الكبار والشركات الرأسمالية على أراضيهم وعلى المياه وإغراقهم بالديون مما يدفع بالعديد منهم الى التحول الى عمال زراعيين في ضيعات الرأسماليين أو الهجرة الى المراكز الحضرية لتعزيز صفوف الكادحين الذين يقاسون من الهشاشة والبطالة والتفقير وكل مظاهر البؤس الاجتماعين مما يجعلهم، أي الفلاحون الفقراء والكادحون، حلفاء موضوعيين للطبقة العاملة لهم مصلحة في التغيير الجذري مما يفرض ربط العلاقات معهم لبناء التحالف الطبقي بين العمال و الفلاحين الفقراء وباقي الكادحين.
لذلك فإن الاعلان عن تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية يستجيب للحاجة والطموح العميقين للطبقة العاملة في التوفر على أداتها السياسية المستقلة لتكون في مستوى لعب دورها التاريخي المتمثل في قيادة النضال من أجل التحرر الوطني والديمقراطية والاشتراكية والقادرة على تصحيح العمل النقابي وجعله يخدم مصالح الطبقة العاملة الآنية ويرفع من وعيها الطبقي.
ولذلك يجب العمل على تحويل هذه النقلة النوعية إلى واقع مادي من خلال القيام بثورة داخل تنظيمنا والتوجه، بدون ارتخاء أو تردد، إلى تفعيل كل المداخل للتجذر وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين.