حتى يكتمل بناء جبهة اجتماعية حقيقية في المغرب
حتى يكتمل بناء جبهة اجتماعية حقيقية في المغرب
بين الفكرة والتأسيس العملي لإخراج عمل جبهوي إلى الوجود، مساحة شاسعة من الجدل، بين الاختلاف والائتلاف. عمل جبهوي يبدو بسيطا في تشكيله، مرنا ومفتوحا في تنظيمه. من هنا كانت ولادة الإطار التنسيقي بمضمون العمل بالحد الأدنى المشترك بين مكونات سياسية، نقابية، حقوقية، نسائية شبيبية وجمعوية اختار لها المؤسسون اسم “الجبهة الاجتماعية المغربية”، انطلقت عمليا ببرنامج نضالي لتخليد الذكرى التاسعة لحركة 20 فبراير المجيدة وما عرفه هذا التخليد من قمع ومنع في بعض المناطق، ثم تنظيم مسيرة الدار البيضاء يوم 23 من نفس الشهر، مسيرة لم تنجو التعبئة والمشاركة فيها من التضييق ومحاولات تحجيمها…غير أن الإصرار الكبير للمناضلات والمناضلين على ضرورة إنجاح المحطتين النضاليتين كان حاسما رغم ما يمكن تسجيله من نواقص وملاحظات.
إن الخوض في كل تجربة عمل وحدوي في بلادنا لا يخلو من البحث في العوامل الذاتية والموضوعية، الحاملة لشروط النجاح كما تحمل قانون الفشل والعودة إلى الحالة البئيسة التي تنتج الحلقية والإحباط. فالجميع يعرف مستوى الحالة التي أصبحت عليها الأوضاع العامة في بلادنا بمختلف مستوياتها، الاقتصادية والاجتماعية كما السياسية والثقافية. لقد تم وضع المغرب في سكة الخنوع والخضوع للتبعية وتوصيات المؤسسات المالية للامبريالية كأنه قدر محتوم لا مفر منه. بينما يتمتع شعبنا بكل شروط النجاة بنفسه بالنضال ضد التبعية والاستبداد ومن أجل التحرر والديمقراطية والعدالة والمساواة.
لذلك تعتبر الجبهة الاجتماعية مكسبا جماعيا وجب تحصينه من انحرافين كبيرين:
الانحراف الأول: اعتبار الجبهة في صيغتها الحالية هي الصيغة النهائية الكاملة والقادرة على التأطير وتنظيم نضال جماهير شعبنا المتنوع المطالب الاجتماعية.
الانحراف الثاني: إرجاء الخوض في السياسي بشكل توافقي، بما يعمق الخلافات ويفجر التناقضات وافتعال أزمات لتصفية المشترك القائم.
إن الجبهة الاجتماعية وكما أريدَ لها أن تكون، مفتوحة من حيث المبدأ على باقي مكونات الحركة المناضلة ومنها الحركة الأمازيغية وحركة النضال من أجل الحق في الأرض ومن أجل تحصين المرافق العمومية ضد التفويت والخوصصة. مفتوحة على حركة النضال ضد البطالة ومن أجل الحق في العمل القار، من تنسيقيات ومجموعات وجب انضمامها إلى الجبهة بعد توضيح أكثر لمضامينها ومشروعها النضالي العام، يعنى بمطالب كل الفئات. ثم المكون الهام في واقع مجتمعنا وهو الحركة المناهضة للمخزن وضمنهم كل المكونات التي تقاسمت تجربة حركة 20 فبراير، أي الجماعة نفسها، التي ستكون بذلك أمام اختبار وعود “واجهات النضال الأخرى” بعد الانسحاب من الحركة، ثم اختبار مستوى التعاطي مع القضايا الاجتماعية الملموسة للجماهير الشعبية التي هي في حاجة إلى الجميع.
إن دور المركزيات النقابية في الجبهة بقواعد قطاعاتها العمالية وعموم المأجورين ضرورة تاريخية، لا يمكن أن يغفرها التاريخ وكل تردد أو تلكؤ لقياداتها خيانة مكشوفة للنضال الجماهيري الشعبي، تستوجب انتفاضة المناضلات والمناضلين بشكل منظم لتحرير النقابة من البيروقراطية المتعاونة مع أعداء شعبنا. كما أن دور المنظمات السياسية في هذه المعركة، بالغ الأهمية وحاسم في اتجاه فتح آفاق جديدة أمام شعار النضال الديمقراطي، بأساليب وأدوات وحدوية جديدة لتجاوز وتصحيح علاقة السياسي بما هو اجتماعي وربح رهان وضع سياسات اجتماعية بديلة عن السياسات الطبقية القائمة التي تشرع الفقر والبطالة والهشاشة والإقصاء الاجتماعي. إنها القاطرة التي تتلمس الطريق أمام جبهة النضال الشعبي وهي من يمكنها فعلا أن تجسد مبدأ إشراك كل المعنيين بإنجاح هذه التجربة وتوطينها على المستويات المحلية والجهوية بمضامين الحراكات الشعبية رغم ما يمكن أن يعترض التجربة من خلافات ومحاولات الاستعمال السياسوي الضيق في اتجاه لا يكاد يراوح اشتراطات المشاركة في الانتخابات من عدمها أو في اتجاه يسراوي يستعجل التغيير دون توفير شروطه المادية في الواقع.
إننا جميعا بصدد التأسيس لشروط جديدة تحتمها الشروط العالمية كما الإقليمية، تحمل معها مؤشرات التغيير الديمقراطي الجذري لتمكين شعبنا من أدوات الصراع من أجل انتزاع حقوقه ومطالبه الاجتماعية المحجوزة من طرف المافيا المخزنية وحكومتها الرجعية وبناء نظام وطني ديمقراطي شعبي.