التقرير السياسي المقدم للجنة المركزية: دورة شهيدات وشهداء الشعب الفلسطيني
اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
“دورة شهيدات وشهداء الشعب الفلسطيني”
انعقدت الدورة السادسة “دورة شهيدات وشهداء الشعب الفلسطيني” للجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي يوم الأحد 14 يناير 2024، بالمقر المركزي بالرباط، حيث تدارست أهم سمات الأوضاع العامة بالمنطقة ووطنيا. وبعد الوقوف دقيقة صمت إجلالا لأرواح شهداء فلسطين وشهداء التحرر، قدم الأمين العام للحزب الرفيق جمال براجع باسم المكتب السياسي التقرير السياسي. وفيما يلي الجزء الأول من التقرير:
التقرير السياسي المقدم للجنة المركزية
-
السياق العام:
– لا زالت أزمة الرأسمالية مستمرة في التفاقم -وهي مرشحة للتفاقم أكثر مع تداعيات العدوان الصهيوني الامبريالي على الشعب الفلسطيني وخاصة على التجارة والملاحة الدوليتين في البحر الأحمر- رغم كل الإجراءات التي تتخذها الدول الرأسمالية لمعالجتها والتخفيف منها والتي في غالبها إجراءات اقتصادية واجتماعية تقشفية تمس أساسا مكتسبات الطبقة العاملة والطبقات المتوسطة، بالإضافة الى تكثيف استغلال ثروات الشعوب في بلدان المحيط وعلى الخصوص في قارة افريقيا التي تعرف شعوبها نهضة هامة للتحرر من الهيمنة الامبريالية وخاصة الفرنسية.
ولمواجهة هذه الأزمة تلجأ الرأسمالية، كعادتها، إلى تكثيف استغلال ثروات الشعوب، والطبقة العاملة، والإجهاز على مكتسباتها التاريخية عبر تكريس السياسات النيوليبرالية المتوحشة، هذا بالإضافة إلى تقوية التوجهات والسياسات اليمينية المتطرفة في دور المركز الرأسمالي في أوربا وامريكا الشمالية التي يبدو تأثيرها واضحا في سياسات تلك الدول، وعلى الخصوص ضد المهاجرين والأقليات الذين يتعرضون للاضطهاد ولكافة أشكال العنصرية كأكباش فداء للتغطية عن طبيعة الأزمة وأسبابها الحقيقية. (تمرير قانون الهجرة العنصري بفرنسا مؤخرا). ومن مظاهرها أيضا استمرار تنامي النزعة العسكرية للإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في العالم. فبعد التسبب في عدة حروب مدمرة لدول وشعوب في الشرق الأوسط وافريقيا (العراق -أفغانستان -سوريا -اليمن -ليبيا -السودان…) وأوكرانيا، ها هي تشرف وتخطط وتوفر كافة أشكال الدعم السياسي والديبلوماسي والعسكري والاقتصادي للكيان الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية المروعة ضد الشعب الفلسطيني والتي لم يشهد لها التاريخ مثيلا حتى في أعتى الأنظمة الفاشية. والهدف طبعا وهو حماية “إسرائيل” أداتها وقاعدتها الأساسية لاستمرار فرض هيمنتها على المنطقة للتحكم في استغلال مواردها النفطية وموقعها الاستراتيجي في المواصلات الدولية وفرض خضوع دول وشعوب المنطقة وإدامة كل مقومات التخلف والاستبداد والتجزئة لمنع تلك الشعوب من تقرير مصيرها. ومن جهة أخرى الانتقام الشديد من المقاومة الفلسطينية التي ألحقت بالكيان الصهيوني هزيمة قاسية وصادمة في ملحمة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر وما تلاها من ملاحم بطولية للمقاومة في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة والضفة الغربية وتكبيده خسائر بشرية وعسكرية ضخمة غير مسبوقة هزت أركانه وفندت روايته حول “الجيش الذي لا يقهر” و”واحة الديمقراطية” في المنطقة. إنها هزيمة استراتيجية لهذا الكيان ولداعميه الإمبرياليين على كافة المستويات. لقد أسقطت المقاومة المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي لتصفية القضية الفلسطينية وفق “صفقة القرن” و”اتفاقات ابراهام”، واعادت القضية لمكانها الطبيعي، ضمن أولويات القضايا الدولية كقضية تحرر وطني، لا يمكن أن يستتب الأمن والسلم في العالم بدون إيجاد حل عادل لها. كما أحدثت، ولأول مرة، تحولا نوعيا جارفا في الرأي العام الأوربي والامريكي الذي أصبح جزء كبير منه يتعاطف ويؤيد الشعب الفلسطيني، وهو ما يبرزه خروج مظاهرات بعشرات الملايين في جميع أنحاء العالم تطالب بوقف الحرب الاجرامية الصهيونية الإمبريالية واغلاق السفارات “الإسرائيلية” ببلدانها. إنها لحظة تحول تاريخية ستساهم في توفير شروط أفضل للشعوب في النضال للتحرر من التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي مما يفرض على القوى الثورية والتقدمية والوطنية المناضلة عبر العالم للعمل على التكتل والتنسيق لبناء جبهة عالمية ضد الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
– وفي بلادنا، وفي ارتباط بما سبق أعلاه، فإن النظام المخزني مازال مصرا على المضي في سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني ضدا على مواقف وإرادة الشعب المغربي الذي خرج بمئات الآلاف في مختلف مناطق المغرب لإدانة الحرب الاجرامية الصهيونية على الشعب الفلسطيني والمطالبة بإسقاط التطبيع، خاضعا لسياسات أسياده الإمبرياليين وقرارات واملاءات المؤسسات المالية الامبريالية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي المكرسة للسياسات النيوليبرالية المتوحشة، ومستمرا في الهجوم على مكتسبات الشعب المغربي وتكريس دعائم الاستبداد وذلك من خلال:
-
على المستوى السياسي:
تدعيم الحكم الفردي المطلق من خلال المزيد مظاهر التحكم والاستبداد وإغلاق الحقل السياسي برفض أية تعددية سياسية حقيقية خارج مشاريعه السياسية مع تعميم آليات التحكم في السلطة والقمع السياسي للمعارضين وتوظيف الإدارة في القهر والتركيع مع تشجيع الانتهازية وإفساد النخب وادماجها ضمن منظومته المخزنية واستغلال الدين لتكريس مظاهر القداسة والتخلف ومحاربة مظاهر التنوير والعقلانية والتحرر.
-
على المستوى الاقتصادي والاجتماعي:
– استمرار الركود الاقتصادي والتضخم مما سيعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وخاصة مع الجفاف وتداعيات زلزال 7 شتنبر 2023.
– تفاقم وتيرة اقتصاد الريع والاحتكار والرشوة وتركيز الثروة في يد المافيا المخزنية الحاكمة التي تستغل السلطة السياسية لإقصاء المنافسين، وإطلاق يد الرأسماليين المحليين والأجانب، ومنهم الصهاينة والخليجيين، للاستيلاء على القطاعات الإنتاجية والخدمية من تعليم وصحة وغيرها والأراضي الجماعية والفلاحية التي يتم انتزاعها من الفلاحين المغاربة.
– إذعان النظام لتوصيات وتوجيهات المؤسسات المالية الامبريالية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالاستمرار في تطبيق السياسات النيوليبرالية والتقشفية القاسية وهذا ما يتضمنه قانون مالية سنة 2024 (المزيد من الخوصصة- الغاء صندوق الدعم وتحرير أسعار غاز البوطان والسكر والدقيق المدعم والماء والكهرباء والنقل والزيادة في الضرائب والرسوم…) والحرص على تمرير قوانين وأنظمة تراجعية في عدة قطاعات عمومية تلغي التوظيف وتكرس العمل بالعقدة وبالتالي تسييد الهشاشة. كل هذا مقابل الحصول على قروض جديدة يذهب معظمها لتسديد الديون السابقة وفوائدها وليس للاستثمار مما يكرس المديونية والتبعية وتحلل الدولة من مسؤولياتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه الشعب في ظل اقتصاد هش وأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة مرشحة للتفاقم أكثر مع استمرار ظاهرة الجفاف وتداعيات زلزال 7 شتنبر. وما المشاريع والشعارات المخزنية حول “الدولة الاجتماعية” و”النموذج التنموي الجديد” و”التنمية القروية” و”الدعم المباشر” سوى مشاريع فاشلة وشعارات مضللة الهدف منها التغطية عن مسؤوليتها عن الأزمة وامتصاص الضغط الشعبي وخلق جيش من “المتسولين” المرتبطين في حياتهم بما تمنحه لهم هذه الدولة من فتات لا يسمن ولا يغني عن جوع.
– في ظل هذه الازمة الموضوعية يشتد الصراع بين قطبي التناقض الرئيسي: بين الكتلة الطبقية السائدة ونظامها السياسي القائم ومعهم أسيادهم الإمبرياليون من جهة، والطبقة العاملة وحلفاؤها من الطبقات الشعبية من جهة أخرى، وهو يشهد، بفعل تنامي الأزمة، تطورات تكون قوية تارة وضعيفة تارة أخرى. ويتجلى هذا الصراع بشكل بارز حاليا في قطاع التعليم الذي يعرف حراكا قويا منذ بداية شهر أكتوبر الماضي يؤشر على تحول هام في النضال الشعبي ضد سياسة النظام تجب قراءته بتمعن لاستخلاص دروسه والاستفادة منها في بناء التنظيمات المستقلة للجماهير وتطوير النضال الشعبي الوحدوي الميداني.
– فبالنسبة للنظام فما يزال قادرا على ضبط التناقضات وسط قطب الكتلة الطبقية السائدة والتخفيف منها بواسطة فسح المجال لأوساطها للاستثمار في افريقيا وتخفيف الضغط الضريبي عنها. لكن هذا الضبط يبقى مهددا بفعل تذمر الفئات المتضررة من اقتصاد الريع والاحتكار الذي تمارسه الفئات المهيمنة وسط الكتلة الطبقية السائدة وعلى رأسها الملكية، وهو ما تعبر عنه برفع شعار “الفصل بين السلطة والثروة”. وهو شعار لا يعبر عن الطموح الشعبي للتحرر من هيمنة الإمبريالية والكتلة الطبقية السائدة والمخزن. لكنه يمكن أن يكون شعارا تكتيكيا هدفه تأجيج التناقضات لخلق جبهة واسعة ضد المافيا المخزنية.
– اما بالنسبة لقطب الطبقة العاملة وحلفاؤها الطبيعيين، فإننا لن نجانب الصواب إذا تحدثنا عن هشاشة العلاقات الموجودة بين مكوناته. ومرد هذه الهشاشة هي غياب فرز وتشكيل التعبيرات السياسية لهذه المكونات. فإذا كانت خطوة تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة التي أقدم عليها حزب النهج الديمقراطي العمالي تهدف إلى تنظيم وقيادة الطبقة العاملة وحلفاءها، فان بقية مكونات هذا القطب لم تصل بعد إلى النضج السياسي والطبقي حتى نرى ميلاد التعبيرات السياسية الطبقية للبرجوازية الصغيرة والبرجوازية المتوسطة. فمشروع “الحزب الاشتراكي الكبير” وصل إلى الباب المسدود، وطغيان الانتظارية ونهج سياسة التوافق من طرف حزبي فيدرالية اليسار الديمقراطي والاشتراكي الموحد يعرقل تشكل وتقوية آليات العمل الجبهوي والنضال اليساري والديمقراطي الوحدوي، ويعمق فقدان الشعب الثقة في اليسار ويساهم بالتالي في المزيد من إضعافه.
– ونتيجة لذلك تظل موازين القوى مختلة لصالح القطب الطبقي المسيطر مما يشجع النظام القائم على تشديد مقاربته الأمنية وتغوله القمعي البوليسي وهجومه على مكتسبات الشعب المغربي من خلال تمرير مشاريعه الطبقية (قانون مالية تقشفي -ضرب صندوق المقاصة -قانون الاستيلاء على أراضي الجموع -مشروع اصلاح التقاعد -النظام الأساسي لموظفي قطاع التعليم-قانون إحداث الشركات الجهوية لتدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل -مشروع مدونة الاسرة…)، ومواصلة سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
– وفي المقابل تواجه هذه المخططات الطبقية مقاومة شعبية وعمالية هامة:
– نضالات عماليةمن اجل الزيادة في الأجور أو ضد الطرد الجماعي أو الفردي من العمل، أو من اجل الحق في العمل النقابي؛ وهناك معارك طويلة النفس، منها من استطاع انتزاع بعض المكاسب، ومنها من عجز عن ذلك. تبقى السمة العامة هي هشاشة هذه الحركة، وتشتت صفوفها، وغياب التضامن العمالي الواعي والمنظم، بسبب هامشية العمل النقابي، والدور التخريبي الذي تقوم به القيادات البيروقراطية النقابية المتنفذة.
– قيام حركات شعبية في المناطق المهمشة من اجل الحق في الأرض والماء والخدمات الاجتماعية وفك العزلة…، وضد غياب البنية التحتية أو السكن اللائق كما يحدث في مناطق الزلزال وسوس وفكيك…
– قيام حراك جماهيري غير مسبوق في قطاع التعليم جسد نموذجا للنضال الوحدوي الميداني من اجل المدرسة العمومية ونظام أساسي عادل ومنصف، مكن من انتزاع مكتسبات مهمة، في ظل اختلال موازين القوى، يجب تثمينها ومع التأكيد على استمرار النضال من أجل انتزاع باقي المطالب والدفاع عن المدرسة العمومية ضد السياسة الطبقية التي تستهدفها.
– نهوض شعبي مهم جدا لمناصرة الشعب الفلسطيني، وكانت مناسبة مواتية لاسترجاع الحق في التظاهر وبزخم شعبي فرض تراجع الأجهزة القمعية.
– بداية نهوض طلابي في بعض المواقع الجامعية (فاس، تازة …) وتحقيقها لبعض المكتسبات، بالموازاة مع التحرك النضالي للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين في العديد من الفروع…
الأحد 14 يناير 2024
دعوة إلى النضال الوحدوي لدعم وحشد التضامن الشعبي للنضالات الشعبية والعمالية