في مفهومي الإمبريالية والغرب الاستعماري

في مفهومي الإمبريالية والغرب الاستعماري


في مفهومي الإمبريالية والغرب الاستعماري



الإمبريالية مصطلح إنجليزي الأصل ومفهوم اقتصادي، وقد تطور تاريخيا تم اكتسب حمولة سياسية وإديولوجية؛ وهو يستعمل كذلك في الأدبيات السياسية لإعطاء مضمون محدد وعلمي للتوصيف، كأن يتم نعت إقتصاد ما بأنه اقتصاد إمبريالي، أو سياسة ما بأنها سياسة إمبريالية، أو إديولوجية ما بأنها إديولوجية إمبريالية؛ ومن ثمة فإن أمثال هذه التوصيفات لم تكن يوما اعتباطية، وإنما توصيفات ذات السند المنطقي والعلمي.

كذلك يستعمل مصطلح الإمبريالية لوصف السياسات التوسعية التي تتبعها الدول لمد سيطرتها خارج حدودها، سواء عبر القوة العسكرية أو السيطرة الاقتصادية أو التحكم السياسي أو الهيمنة الثقافية والإيديولوجية؛ كما يستعمل كذلك هذا المصطلح لوصف شكل الحكم في بلد معين.

وقد تم في البدء استعمال مصطلح الإمبريالية منذ سبعينات القرن التاسع عشر لوصف الدول الإستعمارية الكبرى وسياساتها التي ترتكز على محاولات تصريف فائض الإنتاج وتوسع البنوك واستثمار الرساميل خارج حدود دول المركز، غير أن ما ميز تلك الفترة (أي نهاية القرن التاسع عشر) بشكل كبير هو المساندة السياسية من طرف الحكومات الغربية (بريطانيا وفرنسا أساسا) لطموحات الرأسماليين الكبار، وترجمة تلك المساندة السياسية عبر التوسع خارج الحدود الوطنية.

وما يجب الانتباه إليه في نظري، هو تبلور وتطور مفهوم الإمبريالية جانبا إلى جنب وبمحاذاة مفهوم الاستعمار الذي يعني السيطرة المباشرة عبر الغزو العسكري والإستيطان؛ بينما تميز عن مفهوم الإستعمار بكون الإمبريالية تسعى بدورها إلى السيطرة على الدول ولكن بشكل غير مباشر ودون إدارة مباشرة ودون تدخل عسكري، بل اعتمادا أساسا على التدخل الاقتصادي والتحكم السياسي والهيمنة الثقافية والإديولوجية.

ويعد مؤلف لينين “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” الذي كتبه سنة 1916 مرجعا هاما في فهم تطور الرأسمالية ويوضح بشكل علمي كون النزوع نحو الإمبريالية والهيمنة طبيعة هيكلية للرأسمالية. وإلى جانب ذلك عرف مصطلح الإمبريالية استعمالات وتطورات متلاحقة، حيث اعتمد كثيرا في البداية لوصف الدول الاستعمارية وسيطرتها على مناطق شاسعة في إفريقيا وآسيا وأمريكا، واستغلالها ونهبها للموارد الطبيعية لتلك القارات.

ومع بداية ضمور الحركة الاستعمارية المباشرة منذ أواسط القرن العشرين، وحيازة أغلب الدول لاستقلالها السياسي، توارى الاقتصاد الإمبريالي الاستعماري الذي كان مسنودا بالاحتلال العسكري للدول ومتميزا بالاستنزاف المهول للموارد الطبيعية الفلاحية والبحرية والمنجمية للدول المستعمرة دون أدنى مقابل؛ لتحل محله ما تسمى بالإمبريالية الاقتصادية الحديثة، التي تترجمها هيمنة الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات، التي كسرت ما يسمى بالحدود الوطنية والمحمية من طرف الحكومات والدول العظمى.

مناسبة كتابة هذا الموضوع:

مناسبة كتابة هذا الموضوع، وهي كتابة سريعة سأرجع إلى تدقيقها والتفصيل فيها لاحقا، هو ما لاحظته لذى بعض الأصدقاء والمناضلين من حرص على استعمال مصطلح “الغرب الإستعماري” بدل مصطلح “الإمبريالية” و”الدول الإمبريالية”، وهو استعمال غير دقيق وغير علمي في نظري.
ولنا عودة للموضوع.

الطاهر الدريدي
الرباط في 25 مارس 2024