افتتاحية: دور ومكانة الثقافة في التغيير
للتغيير عدة جبهات ولكل جبهة أهميتها ومكانتها ولأننا ننشد التغيير الثوري للمجتمع، أي نناضل من أجل أن ينتقل المجتمع من مرحلة التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى مرحلة يتحقق فيها التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتمتلك فيها الطبقات الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير زمام السلطة السياسية. ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية لا بد من توفر شروط بعينها، وعلى رأسها حصول هذه الطبقات الاجتماعية المعنية بالتغيير على الوعي بضرورة هذا التغيير وبكيفية خوض النضال المعقد للحصول على السلطة السياسية وتحويلها إلى محرك يدفع تطور المجتمع إلى الأمام ويصد كل حركات كبحه أو التراجع والنكوص إلى سلطة نقيضة رجعية ترتد عن خدمة مصالح الطبقات الأكثر ثورية في المجتمع وخاصة الطبقة العاملة.
تعتبر الجبهة الثقافية إحدى جبهات الصراع الطبقي أي انها جبهة تخوض فيها الطبقات الاجتماعية حربا طبقية من أجل تسييد قيم الطبقات الحاكمة وتحويل رؤية هذه الطبقات إلى جميع القضايا التي يعرفها المجتمع، إلى رؤية مهيمنة ومعتمدة لتحليل تلك القضايا أو لاستخلاص الموقف منها. وكلما نجحت هذه الطبقات السائدة في تسييد رؤيتها ووجهة نظرها في المجتمع، كلما صعب على القوى المعارضة مقاومة سياسة الطبقات السائدة.
تعتمد الكتلة الطبقية السائدة ببلادنا على جيش من الاشخاص بعد تدريبهم وتنظيمهم وتسليحهم بالخبرات الضرورية لكي يقوموا بلعب الأدوار المطلوبة منهم في هذه الجبهة. يسمى هذا الجيش من الكتبة والموظفين والمفكرين مثقفي الكتلة الطبقية السائدة ويعتبر اغلبيتهم بمثابة مرتزقة القلم. يدافعون على مانحي التمويل والريع والاكراميات، يشكل متفقو الكتلة الطبقية السائدة اقلية وسط هذا الجيش العرمرم من النخب المرتزقة أو المتحولة سياسيا واجتماعيا ضمن نظام من الاستقطاب وتحويل بعض المثقفين المنحدرين من الأوساط اليسارية والتقدمية، ويسمي البعض هذه الحالة بالدينامية الاجتماعية أو الصعود والنجاح الطبقي.
في مقابل هذا الجيش من النخب المدافعة عن قيم الكتلة الطبقية السائدة هناك قاعدة من أبناء الشعب، وخاصة الطبقات الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير الثوري، منخرطون في النضال الثقافي وفي صد كل موجات تسييد الثقافة الرجعية والنكوصية في المجتمع.
يشكل المنخرطون في هذه الجبهة خليطا من المرجعيات الفكرية والمدارس الثقافية والتعبيرات المتنوعة حسب مجالات الثقافة.
وهذا التنوع والاختلاف يجد مصدره في الخلفيات الاجتماعية والأصول الطبقية لهؤلاء المنخرطين في الجبهة الثقافية، ولهذا تكون هذه التعددية مصدرا لغنى هذه الجبهة الثقافية وفي ذات الوقت سببا محتملا لهشاشتها ومنفذا للاختراق، تستعملة الثقافة السائدة والمشرفون عليها من اجل تلغيم الجبهة الثقافية وإضعافها. ولهذا تولي التعبيرات السياسية عن الطبقات ذات المصلحة في التغيير الثوري أهمية بالغة للجبهة الثقافية وتسعى إلى تقوية التوجه التقدمي والتنويري للمثقفين وللعاملين فيها.
ولغرض تحصين هذه الجبهة تسعى القوى الثورية، وعلى رأسها الحزب المستقل للطبقة العاملة، لتشجيع هؤلاء المثقفين للانخراط في الصراع الطبقي جنبا إلى جنب مع الجماهير الشعبية وترجمة ذلك في النشاط الثقافي من خلال الإبداع بمختلف أصنافه وتعبيراته.
ولأن الكتلة الطبقية السائدة تستحوذ على الفضاء العام بما فيه الإعلام والقاعات العمومية والمسارح ودور الثقافة… فإن المثقفين التقدميين يتعرضون الى التضييق والمنع وحتى إلى الاعتقال والحرمان من حرية التعبير والإبداع والتواصل مع الجمهور. لذلك يتوجب على القوى المناضلة الدفاع عن حرية التعبير والابتداع وفك العزلة والتطويق عن المثقفين وإتاحة فضاءات بديلة لهم كصفحات الإعلام المناضل. وعلى القوى المناضلة أن تستلهم تاريخ شعبنا في الثقافة المناضلة والبديلة. إنها تجربة غنية بالدروس والإنتاجات الخالدة حافظت على الروح الثورية وسط المثقفين التقدميين ووسط الفنون الشعبية من الأغنية إلى المسرح إلى السينما والرقص والفنون التشكيلية والرواية والشعر…
إننا في حزب النهج الديمقراطي العمالي لا نتصور التغيير الثوري من دون الانخراط في الجبهة الثقافية والعمل الدؤوب والمتواصل من أجل أن تحضر مصالح واهداف الطبقة العاملة ورؤيتها لمجتمع المستقبل. إننا نسعى لكي تحظى الثقافة البروليتارية ذات الأفق الشيوعي بالسيادة والهيمنة المقبولة والمرحب بها من طرف جميع الطبقات التي لها مصلحة في بناء المجتمع الجديد مجتمع تحرر الإنسان من الاستغلال والاضطهاد. مجتمع المنتجين الأحرار والمبدعين المتحررين من إكراهات الحاجة…