افتتاحية: للجفاف أسباب اجتماعية وطبقية
للجفاف أسباب اجتماعية وطبقية*
يعتقد الكثيرون أن سبب الجفاف هو اختلال في انتظام التساقطات المطرية والثلجية خاصة في فصل الشتاء وهي ظاهرة طبيعية لا يد للبشر فيها. وهذه النظرة التبسيطية لموضوع الجفاف تستعملها الدولة في تبرير سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وتعلق على مشجبها الكثير من مظاهر الأزمة البنيوية لنمط الإنتاج الرأسمالي التبعي القائم ببلادنا. تسخر الدولة وأجهزتها الأيديولوجية ظاهرة الجفاف وتوظف الخرافات والعادات والتقاليد المتخلفة والمتوارثة عن فترات الانحطاط والإفلاس لكي ترسخ في وعي الجماهير الشعبية بان الجفاف هو ابتلاء للساكنة التي عليها الالتزام بالطاعة وقبول الآمر الواقع.
لكن الاعتقاد بان سبب الجفاف يرجع إلى عامل وحيد وهو اختلال في الطبيعة بدا يتراجع وأخذت العقول والأنظار تتجه نحو أسباب وعوامل متعددة. فالجفاف هو في جوهره عطب تدبير الثروة المائية سواء في شقه المتعلق بالتزود بالكميات المتوفرة وتخزينها أو في شقه المتعلق بالاستعمال الأنجع لتلبية الحاجيات المختلفة. هكذا يتضح أن احد أهم أسباب الجفاف، هو توفر او عدم توفر الإرادة السياسية للتدبير الأنجع للماء. فكيف تصرفت الدولة في هذا الصدد؟ لقد اكتفت الدولة بتبني إجراء تقنيا يتمثل في تعبئة الكميات الكبيرة من المياه عبر إنشاء السدود، وقد وظف الخطاب الرسمي هذه السياسة، وسمي الحسن الثاني باني السدود. ولان الدولة اعتبرت الحل تقنيا، فإنها أطلقت عملية تشييد السدود من دون الاهتمام بصيانتها؛ فكانت النتيجة هي فقدان هذه السدود لطاقتها الاستيعابية نتيجة تراكم الطمي وعدم الترميم والإصلاح، وذلك في فترة لم تتجاوز الخمسين سنة بينما السدود تعتبر منشئات تبقى صالحة لما يفوق المائة سنة كما هي الحال في البلدان المتطورة. ناهيك عن العشوائية في إقامة هذه السدود التي تسببت في تصحر وديان ومناطق كانت قبل إقامة السدود مناطق حية او نسبيا حية في سنوات الجفاف لكنها سرعان ما تسترجع حيويتها مباشرة بعد التساقطات المطرية او الثلجية، لكن هذه السدود منعت تزويد هذه المناطق بالماء وتم تسخيرها لتزويد مناطق أخرى غالبا هي عبارات عن ضيعات ملاك الأراضي الكبار كما يجسد ذلك سد اولوز الذي قضى على وادي سوس ونواحيه وزود ضيعات المعمرين الجدد بمنطقة الكردان.
فإذا كانت حلول الدولة حلول تقنية في تعبئة الموارد المائية، فان سياسة استغلال المصادر المائية كانت أكثر عشوائية بل هي تجسيد للتبذير والنهب من اجل تنمية مصالح الملاكين الكبار والتفريط في الثروة المائية وتعريض البلاد لما سمي في الأدبيات المختصة بالإجهاد المائي، أي بعبارة يفهمها الجميع استعمال المياه بكميات أكثر مما يمكنه الإنتاج والتحصيل المائي. هكذا وظفت الموارد المائية في الفلاحات والزراعات المستهلكة للماء وتم توجيهها نحو التصدير مثل الحوامض والخضر ولافوكا وغيرها من الزراعات المبذرة للماء. لقد أصبح المغرب – بلد يشكو من التصحر والجفاف – بلد يصدر الماء لشمال أوروبا وغيرها.
ونحن في عز أزمة الجفاف لمضي أكثر من ستة سنوات من شج التساقطات المطرية والثلجية، لا زالت الدولة تتعامل مع الجفاف من منظور استغلال الأزمة لتحويلها إلى منجم خلق الشركات لتحلية مياه البحر، وتزيدها بمتطلبات الصيانة وباليد العاملة. هكذا تحول الرأسمالية التبعية أزمة الجفاف إلى مصدر توسيع مجال الاستثمار والاستغلال على حساب عيش الأغلبية الساحقة للمواطنات والمواطنين. لن تهتم الدولة بموضوع توجيه استغلال الماء في الزراعات التي تضمن السيادة الغذائية وتمنع الكثير من الفلاحات التصديرية، لأن فئات من الكتلة الطبقية السائدة هي من يستفيد وهي من يجني الأرباح الطائلة.
إن للجفاف سباب وعوامل اجتماعية وطبقية، وهي المسؤولة إلى حد كبير على آثار تفاقم الظاهرة الطبيعية والتي تغلبت عليها بعض البلدان التي اهتمت بالثورة الزراعية والتي كان المواطن في قلب اهتماماتها ضمن سياسة التحرر من قبضة الشركات المتعددة الاستيطان والملاكين الكبار. إن إرادة الدولة لم تتغير بل هي مصرة على المضي في التفريط بثروة المغرب ومياهه، وما استقبال المستثمرين الصهاينة والخليجيين إلا دليل فاضح على هذه الإرادة والتبعية.
إن للشعب المغربي تجربة عريقة في تدبير ندرة المياه والتعايش مع تتابع فترات الجفاف وقلة الأمطار؛ لكن الانفتاح على هذه التجارب، يتعرض إلى التقويض والتهميش كما هي الحالة مع واحة فجيج التي تصر الأجهزة الحكومية بشكل غريب ومريب، على نزع الماء من الساكنة وتفويته إلى الشركة. إن حالة واحة فجيج تكشف عن النية المبيتة لتهجير الساكنة، وإفراغ الواحة من ساكنتها تمهيدا لمشروع جهنمي يخطط للمنطقة.
* كلمة العدد المزدوج (567 – 568) من جريدة النهج الديمقراطي لشهر غشت 2024