نضال وحدوي للتصدي للقانون التكبيلي لممارسة حق الاضراب
لقد استعاد الرأي العام قضية ما يسمى «القانون التنظيمي لممارسة حق الاضراب» وبرزت معه مبادرات تنسيقية مختلفة حول سبل التعاطي مع هذا «القانون» وما يحيط به من تأثيرات سلبية على الممارسة النقابية التي تشتكي مسبقا من أعطاب عمرت طويلا.
هذه خطوة ما بعد الاتفاق الثلاثي بين الحكومة المغربية، والاتحاد العام المقاولات المغرب والنقابات بما يمكن من الوصول إلى وضع قانون تنظیمی يحدد شروط وكيفية ممارسة حق الإضراب بعد إدخاله مسطرة التشريع والمصادقة وفق الإخراج المناسب. هذا القانون التنظيمي هو في الأصل احالة من الفصل 29 من دستور سنة 2011 المشروط هو الآخر بالفصل 86 بأن «تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ الدستور…» ومن تم أعدت الحكومة مشروع قانون تنظيمي متعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب تحت رقم 15.97 وتقدمت به إلى الفرقاء في نصوص وفقرات متفرقة معروضة على القيادات النقابية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي…
لقد تفاعلت الأطراف المعنية ببعض الملاحظات العامة التي سجلتها على مشروع القانون الذي سينظم حق الإضراب، وخاصة منها المركزيتين النقابيتين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل وكذا ما سجلته الجامعة الوطنية للتعليم “التوجه الديمقراطي” العائدة من معارك الحراك التعليمي وما أثاره من جدل نموذجي حول مشروعية المطالب وطبيعة الممارسة النقابية ومحدوديتها. حاولت هذه التنظيمات النقابية كما بعض التنظيمات السياسية المعنية بقضايا الطبقة العاملة ومنها حزب النهج الديمقراطي العمالي وتنظيمات يسارية وديمقراطية، حاولت أن تحاصر بالحجة والدليل ما ذهب إليه واضعو المشروع المناقض لممارسة حق الاضراب والذي نصب في مشروعه 49 مادة منها:
ما يقدم أحكـامـا عـامـة من ستة مواد ما يعرض شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص (من المادة 7 إلى 29) شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع العام (من المادة 30 الى 33، أي أربعة مواد فقط مقارنة مع القطاع الخاص) عرض الأحكام الخاصة بالإضراب في المرافق الحيوية (مادة واحدة)، التنصيص على العقوبات (12 مادة من 35 إلى المادة 46)، ثم يختم في الباب السادس بثلاثة مواد تخص الأحكام المختلفة…
كل المقدمات والمراجع والهواجس الأمنية لهذا المشروع تستدعي الرد علي الحكومة بالرفض مع السحب الفوري والعودة إلى الأساس المادي لمارسة حق الإضراب وحماية الشغيلة من الاستغلال واستبداد أرباب العمل والسلطات الوكيلة. لكن الأهم من هذا وذاك هو كيف تتحول هذه المناسبة إلى فرصة لاسترجاع ما انفرط من حقوق الطبقة العاملة وأدوات دفاعها المستقلة وسلاحها في مواجهة الصراع على المستوى الاقتصادي، أي ذلك العمل النقابي الديمقراطي، بنقد كل الممارسات المسيئة للعمل النقابي وتمكين الشغيلة من المشاركة في القرار وقيادة قطاعاتها النقابية.
وعلى طريق تحقيق رد الاعتبار للعمل النقابي وتمنيعه من القيادات البيروقراطية المتنفذة المسفيدة من واقع أزمة العمل النقابي، تنتصب اليوم أمامنا هذه المهمة العاجلة التي لا يمكن تأجيلها بالتبريرات والحسابات السياسوية، بل هي فرصة لممارسة عكس ما كان سائدا، عبر فتح الطريق أمام كل المبادرات النضالية الوحدوية الرامية إلى إسقاط هذا المشروع الرجعي التراجعي. وهذا ممكن جدا خاصة مع انطلاق خطوات أولى في هذا الاتجاه من خلال:
– مبادرة الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد.
– اللقاء الموسع الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل يوم 3 نوبر الجاري.
– اللقاءات التعبوية التي نظمها الاتحاد المغربي للشغل في العديد من الاتحادات المحلية والإقليمية والجهوية.
وغير ذلك من مبادرات هي تعبيرات مبدئية على ارادة في التنظيم والاعداد المواجهة هذا المشروع التكبيلي للحق في الإضراب، وكلها تستوجب أول ما تستوجب هو تلك الإرادة السياسية والاستعداد للنضال ميدانيا عبر تأطير وتنظيم العاملات والعمال وكل الأجراء وتعبئتهم على شرعية مناهضة هذا المشروع الذي يندرج في إطار تلك المخططات الطبقية التي تستهدف كرامة وحقوق الطبقة العاملة والطبقات الشعبية والنيل من ما تبقى من مكتسبات تحققت عبر عقود من النضال والتضحيات.
هذه المبادرات المتعددة، على أهميتها جميعها، تستلزم تواضع الجميع أمام هذه المهام الجسيمة والنضج الكافي ببعث الروح الوحدوية بين النقابيين والنقابيات باسهام كل التنظيمات السياسية الداعمة والمساندة بصدق وارادة سياسية وبالنفس النضالي الطويل لتحقيق سحب هذا المشروع وغيره من مشاريع القوانين التراجعية المناهضة لحق الشعب المغربي والجماهير الشعبية في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية.