حول أسباب فشل بناء الاشتراكية في روسيا- عبد الله الحريف
حول أسباب فشل بناء الاشتراكية في روسيا
أمام الأزمة الخانقة التي تعيشها الرأسمالية والتي عمقتها جائحة كورونا، يطرح على القوى المناهضة للرأسمالية، الاجتهاد لطرح البديل. هذا البديل الذي يرتكز إلى الاستفادة من دروس تجارب بناء الاشتراكية، وخاصة تجربة ثورة أكتوبر المجيدة وأسباب فشلها في تحقيق أهدافها، وأيضا تجارب الشعوب لتجاوز الرأسمالية، ولو في رقعة جغرافية صغيرة أو في قطاع معين. سيتطرق النص أدناه المأخوذ من مقال حول ثورة أكتوبر المجيدة نشرته في مجلة “التحرر” إلى أسباب فشل هذه الثورة في تحقيق أهدافها وسانشر من بعد بعض الأفكار حول البديل.
2. الأسباب الموضوعية:
وتتعلق، خاصة بالحروب والحصار اللذان فرضتهما الرجعية الروسية والإمبرياليات الأوروبية ضد الثورة المنتصرة والتي تطلبت مواجهتهما بناء دولة قوية ومركزية واقتصاد يركز على التصنيع الثقيل الموجه للصناعة الحربية على حساب الفلاحة والتصنيع الخفيف الموجه لتحسين الأوضاع المعاشية للشعب. هذا التوجه الذي تعمق أمام صعود النازية والفاشية. كما تطلبت هذه الظروف الاستثنائية انضباطا حديديا داخل الحزب مما أدى إلى تغليب المركزية على حساب الديمقراطية.
2.2. الأسباب الذاتية:
أ. علاقات الإنتاج:
إن تفكيك علاقات الإنتاج الرأسمالية وتعويضها بعلاقات التعاون بين المنتجين الأحرار مسألة حاسمة في الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية لأنها ستضع السلطة الاقتصادية، التي تشكل الأساس المادي للسلط الأخرى، في يد الطبقة العاملة وباقي المنتجين. والحال أن ثورة أكتوبر لم تعوض علاقات الإنتاج الرأسمالية بعلاقات التعاون بين المنتجين الأحرار، بل حافظت على العمال كأجراء لا يتحكمون في وسائل الإنتاج وفي المنتوج التي ظلت الدولة متحكمة فيهم من خلال التأميم والتخطيط المركزي البيروقراطي. أكيد أن ذلك لم يكن ممكنا في الفترة الأولى بعد نجاح الثورة نظرا لتأخر قوى الإنتاج والحصار والحروب التي فرضتها الامبريالية على الثورة والحاجة إلى الأطر التقنية والاقتصادية الموجودة والتي أغلبها لم يكن شيوعيا وضرورة دعم التحالف العمالي-الفلاحي. لذلك طرح لينين السياسة الاقتصادية الجديدة.
لكن لماذا لم يتم تطوير علاقات الإنتاج الاشتراكية فيما بعد؟
هل لأن الاشتراكية يجب بناؤها من عدم، خلافا لأنماط الإنتاج السابقة التي ينمو فيها نمط الإنتاج الجديد في أحشاء نمط الإنتاج القديم ثم يصبح سائدا؟
هل لأن الاشتراكية، باعتبارها مرحلة انتقالية بين الرأسمالية والشيوعية، هي بالضرورة مرحلة غير مستقرة يستمر فيها الصراع من أجل الشيوعية وضد الرأسمالية بينما أعلن الحزب من فوق أن الصراع الطبقي انتفى في المجتمع السوفياتي؟
هل لأن بناء الاشتراكية، خلافا للرأسمالية التي يبدو وكأنها نتيجة طبيعية لفعل عوامل اقتصادية “موضوعية” و”محايدة”، يتطلب التدخل الواعي والمنظم للطبقة العاملة وتنظيماتها الذاتية المستقلة؟
هل لأن رأسمالية الدولة التي اعتبرها لينين ضرورية في الفترة الأولى من بناء الاشتراكية تم، من بعد، الإقرار بأنها هي الاشتراكية، وذلك لغياب تصور لدى الحزب للانتقال من علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى علاقات التعاون بين المنتجين الأحرار واكتفائه بالطرح الكاوتسكي الشائع داخل الأممية الثانية الذي يعتبر أن مهام الاشتراكية هي إلغاء الملكية الخاصة بواسطة التأميم والتخطيط المركزي والتصنيع ونمو قوى الإنتاج بينما قضية إلغاء العمل المأجور وتطوير أشكال جديدة من الملكية الاجتماعية تسمح للمنتجين بالتحكم في وسائل الإنتاج ولصالح المجتمع ككل لم تكن مطروحة على جدول الأعمال؟
هل لأن الانتقال من علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى علاقات التعاون بين المنتجين الأحرار يتطلب التفاعل الجدلي والمستمر بين حزب الطبقة العاملة والتنظيمات الذاتية الأخرى للمنتجين بينما تم تهميش السوفييتات وضرب استقلالية النقابات؟ وهي الأدوات التي بواسطتها وفي تفاعل جدلي مع الحزب، كان من الممكن بناء علاقات إنتاج جديدة.
هل لأن الضعف الخطير الذي أصاب الحزب بسبب التغيرات التي طرأت عليه حيث أدت الحروب والتصفيات داخله إلى القضاء على أغلب الكوادر البلشفية وامتلائه بعناصر لم تعش تجربة الحزب ولم تكن تمتلك،في الغالب، التكوين الأيدلوجي والثقافة والقيم الشيوعية التي كانت ستمكن الحزب من لعب دوره في تثوير علاقات الإنتاج بواسطة تجاوز طرح الأممية الثانية فيما يخص الاقتصاد الاشتراكي وإحياء السوفييتات وضمان استقلالها عن الدولة والحزب؟
ب. الديمقراطية:
+ التعددية السياسية: تتعايش، خلال مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، طبقات وفئات اجتماعية شعبية غير عمالية وغير كادحة شاركت، إلى هذا الحد أو ذاك، في انتصار الثورة وتتوفر على قوى سياسية تمثلها. وهو ما يعني أن الصراع الطبقي سيستمر. هل من السديد خوضه باللجوء إلى فرض الحزب الوحيد بينما التعامل الصحيح مع التناقضات داخل الشعب لا يجب أن يرتكز إلى القمع والمنع، بل إلى حل هذا التناقض من خلال خوض الصراع السياسي والفكري من أجل هيمنة المشروع الاشتراكي؟ وهل كان الحزب قادرا على خوض هذا الصراع في ظل الضعف الذي أصابه والذي أشرنا إليه أعلاه؟
+ العلاقات داخل الحزب حيث تم تعويض المركزية الديمقراطية بمركزية بيروقراطية وبعبادة الشخصية.
+ العلاقة بين الحزب والتنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية كتنظيمات شعبية مستقلة عن الحزب والدولة وقادرة على مراقبتهما ومحاسبتهما حيث تم تهميش دور السوفييتات وتركيز كل السلطات في أيدي الحزب.
+ المؤسسات المعبرة عن الإرادة الجماعية للشعب أصبحت شكلية ولم تكن أدوات لمراقبة أجهزة الدولة ومحاسبة مسئوليها.
كل ذلك وغيره سيؤدي إلى انحرافات داخل الحزب والدولة وبروز بيروقراطية (النومنكلاتورا) من داخلهما تحكمت عمليا في وسائل الإنتاج المملوكة إسميا وشكليا للدولة وحولتها من بعد إلى ملكية خاصة.
ج. بناء الاشتراكية في بلد واحد:
هل فشل بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي يؤكد طرح تروتسكي حول استحالة بناء الاشتراكية في بلد واحد؟
أعتقد أن هذا الطرح مغلوط للأسباب التالية:
– لو افترضنا أن الثورة الاشتراكية قد نجحت في ألمانيا، أكبر دولة رأسمالية أوروبية، هل كانت قادرة على الانتقال من علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى علاقات التعاون بين المنتجين الأحرار، الذي يشكل الأساس المادي لسلطة المنتجين والاشتراكية، في ظل هيمنة التصور الكاوتسكي للاقتصاد الاشتراكي على الأحزاب الشيوعية؟ وهل كانت ستحل التناقض بين الطبقة العاملة وباقي الطبقات الشعبية بالشكل الديمقراطي في ظل الفهم السائد لدكتاتورية البروليتاريا؟
– إن التناقضات الداخلية هي التي تتحكم في تطور المجتمعات. أما العوامل الخارجية، فهي مساعدة وليست حاسمة. صحيح أنه لو نجحت الثورة في ألمانيا، مثلا، لتقلص الضغط الامبريالي على الثورة البلشفية. لكن ذلك لم يكن سيؤدي أوتوماتيكيا إلى نجاح الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، أساسا بسبب التصورات لبناء الاشتراكية والدولة السائدة آنذاك.
– إذن فشل بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي ليس مرتبطا ببنائها في بلد واحد، وإن كان بناءها في دولة صغيرة يبدو مستحيلا بسبب الضغوط والاكراهات التي ستتتلقاها من الرأسمالية المهيمنة على العالم، بقدر ما أن التجربة التاريخية لمحاولات بناء الاشتراكية تبين أنه لا يوجد نموذج للمجتمع الاشتراكي المنشود. أي أن الاشتراكية ستنبني خلال سيرورة طويلة من الثورات الاشتراكية و”الثورات” المضادة ومن التجارب الاجتماعية المناهضة للرأسمالية.
د. قضية الحفاظ على البيئة:
إن التركيز على الصناعة الثقيلة وسيادة، داخل الحزب البلشفي، لفكرة اللحاق بالغرب الإمبريالي التي أدت إلى طغيان الإنتاجوية Productivisme التي تمثلت في السطاكانوفية Stakhanovisme كانت لهما انعكاسات وخيمة على البيئة وعلى الطبقة العاملة التي انحصر دورها في التفاني في العمل على حساب القيام بدورها كطبقة سائدة. هذا الدور الذي فوضته للحزب.