النهج الديمقراطي: إستمرار وتطوير للحركة الماركسية-اللينينية المغربية
النهج الديمقراطي: إستمرار وتطوير للحركة الماركسية-اللينينية المغربية*
● عبدالله الحريف
تشكلت الحركة الماركسية-اللينينية المغربية من مناضلين انسحبوا من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وأسسوا، في 1968، منظمة “ب” التي ستسمى من بعد “23 مارس” ومناضلين انسحبوا، في 1970، من حزب التحرر والاشتراكية وأسسوا منظمة “أ” التي ستسمى من بعد “إلى الأمام”. وستعرف منظمة “ب” انقساما أدى إلى تشكل منظمة “لنخدم الشعب”.
وكان الهدف الأساسي من تأسيس هذه المنظمات هو بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية لأن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لم يطرح، أصلا، بناء هذا الحزب ولأن الحزب الشيوعي المغربي الذي تحول ليصبح حزب التحرر والاشتراكية انحرف عن هذه المهمة.
لعل قراءة موضوعية لتجربة الحركة الماركسية-اللينينية المغربية تستدعي الانطلاق من تقييم ما أفرزته هذه التجربة من قوى سياسية.
فهذه التجربة أثمرت تنظيمين:حزب النهج الديمقراطي الذي تشكل، أساسا، من مناضلات ومناضلي منظمة “إلى الأمام” والمتعاطفين والمتعاطفات معها في المنظمات الجماهيرية والحزب الاشتراكي الموحد المشكل، أساسا، من مناضلات ومناضلي منظمة “23 مارس” ومناضلون ومناضلات منحدرات(ون) من تجربة الطلبة القاعديين ومن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. بينما اندثرت منظمة “لنخدم الشعب”.
أما حركة الطلبة القاعديين، فأسستها منظمة “إلى الأمام”، دون أن تربطها علاقة تنظيمية بها مكتفية بتأثير فكري وسياسي بناء على تقييم لحملات الاعتقال التي اعتبر أن الطلبة لعبوا دورا فيها.
سأتطرق في هذا المقال، بتركيز، لتجربة النهج الديمقراطي وعلاقتها بتجربة الحركة الماركسية-اللينينية المغربية لكون الحزب الاشتراكي الموحد قطع مع تجربة هذه الحركة، وخاصة مشروعها العظيم المتمثل في بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية، ونفسها الثوري والماركسية واللينينية. أما القاعديون، فالتحق بعضهم بالحزب الاشتراكي الموحد والبعض الآخر بالنهج الديمقراطي وهناك مجموعات متصارعة فيما بينها ومع الفصائل الأخرى في القطاع الطلابي يصعب الالمام بتجاربها.
على عكس ذلك، يعتبر النهج الديمقراطي نفسه استمرارا وتطويرا للحركة الماركسية-اللينينية المغربية، وخاصة منظمة “إلى الأمام”.
1.النهج الديمقراطي استمرارية فكرية وسياسية للحركة الماركسية-اللينينية المغربية:
ينص الإطار المرجعي للنهج الديمقراطي على ما يلي:
“يمثل النهج الديمقراطي امتدادا للحركة الماركسية العالمية التي أطلقها ماركس وإنجلز، والتي قدمت ملايين الشهداء من أجل تحرر وتقدم الإنسان وناضلت ولازالت تناضل في كل بقاع العالم ضد همجية الرأسمالية ومن أجل بناء الاشتراكية في أفق الشيوعية، وهو شكل من أشكال الاستمرارية السياسية والفكرية للحركة الماركسية- اللينينية المغربية، وخاصة منظمة إلى الأمام، وقد تشكل في ظل ظروف موضوعية تميزت بانفتاح ثغرة في جدار القمع بفعل النضالات التي خاضها شعبنا من أجل الديمقراطية، واشتداد الضغط الدولي على النظام المخزني، الذي دخل، نتيجة ذلك منذ بداية التسعينات، في مناورات سياسية يرمي من ورائها إلى التظاهر بإجراء إصلاحات ديمقراطية ولكن دون التفريط في الجوهر المخزني للدولة. وفي ظروف ذاتية تمثلت في قناعة الانخراط العلني في العمل السياسي للمساهمة بشكل أكثر فعالية في نضال شعبنا من أجل التحرر والديمقراطية وفتح الطريق لبناء المجتمع الاشتراكي.(1).
وتتجلى هذه الاستمرارية في:
– التشبث ب”الماركسية كمنهج للتحليل وكنظرية في التغيير الثوري، على أننا لا نعتبرها نظرية جامدة، بل هي خاضعة للتطور والاغتناء على ضوء الممارسة النضالية وبالاستفادة من التقدم العلمي. لذلك فإن النهج الديمقراطي ينهل من فكر ماركس وإنجلز ولينين وغيرهم من المفكرين والقادة الشيوعيين الذين قدموا إضافات أغنت الماركسية. وترتكز الماركسية من حيث الجوهر إلى المادية الجدلية والمادية التاريخية”(2).
وفهمنا للماركسية يرتكز إلى ما طرحه لينين:
“إننا لا نعتبر نظرية ماركس كشيء كامل “Achevé” ومقدس، بل على العكس نحن مقتنعون أن ماركس وضع فقط أحجار الزاوية للعلم الذي يجب على الاشتراكيين ان يقدموه في كل الاتجاهات حتى لا يتأخروا عن تطور الحياة.
إننا نعتقد أن الاشتراكيين الروس يجب، بكل تأكيد أن يطوروا بأنفسهم نظرية ماركس لان هذه الأخيرة لا تدل سوى على مبادئ موجهة عامة تنطبق بشكل مختلف في كل حالة خاصة، في انجلترا بشكل مختلف عن فرنسا، وفي فرنسا بشكل مختلف عن ألمانيا، وفي هذه الأخيرة بشكل مختلف عن روسيا”(3)
ويعمل منظرو البرجوازية، بشكل سافر، ومنظرو القوى الاشتراكية-الديمقراطية، أحيانا باسم تطوير الماركسية وارتكازا على الفكر الاصلاحي وفكر ما بعد الحداثة وما بعد الماركسية، على تدمير أحجار الزاوية هته من خلال:
– نفي أنه، منذ ظهور المجتمعات الطبقية، ومحرك تاريخ فيها هو الصراع الطبقي بين الطبقتين الأساسيتين في نمط الانتاج السائد (العبد ضد السيد في المجتمع العبودي، القن ضد الفيودالي في نمط االفيودالي والعامل ضد البرجوازي في نمط الانتاج الرأسمالي). وبالتالي نفي أن التاريخ يخضع لقوانين موضوعية تشق طريقها عبر العديد من الصدف وبواسطة الصراع الطبقي الذي قد يتغطى بلبوسات أيدولوجية مختلفة.
– نفي دور الطبقة العاملة الحاسم، باعتبارها الطبقة النقيض للرأسمالية، في الصراع الطبقي ضدها، لصالح حركات اجتماعية أو شعبية بدون هوية طبقية وتحويل حزب الطبقة العاملة من هيأة أركان الصراع الطبقي إلى حزب ظاهريا بدون هوية طبقية، وواقعيا بهوية لبرالية برجوازية.
إنهم، بذلك، يحاولون تجريد الماركسية من روحها الثورية ويحولونها، في أحسن الأحوال، إلى نوع من الاشتراكية الطوباوية، وعرقلة امتلاك الطبقة العاملة لأداة تحررها وتحرير المجتمع من ويلات الرأسمالية: حزبها المستقل عن البرجوازية.
النهج الديمقراطي يتبنى اللينينية التي أضافت اسهامات جوهرية للماركسية، منها القضايا التي تهم بناء حزب الطبقة العاملة (من حيث ضرورة تواجد كل عضو(ة) في أحد الاطارات التنظيمية ومن حيث المركزية الديمقراطية والقيادة الجماعية ونبذ ورفض التكتلات والتيارات والنقد والنقد الذاتي) وانعكاس تحول الرأسمالية إلى امبريالية على الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في شكل ظهور أرستقراطية عمالية دعمت برجوازياتها في حروبها من أجل اقتسام العالم. فلولا هذا التحليل وما يستتبعه من تغيير جدري في الموقف من الحرب الامبريالية لظل البلاشفة، على غرار المناشفة، ذيليين لبرجوازيتهم ولكانوا عاجزين على قيادة وانجاز الثورة في روسيا. وقدرة الحزب البلشفي، بقيادة لينين، على التحليل الملموس للواقع الملموس. وهذه القدرة ترتكز إلى تحديد التناقضات، ليس كتناقضات ساكنة لا تتغير، بل كتناقضات متحركة، خاصة في مراحل احتداد الصراع الطبقي الذي يلعب دور الكاشف لهذه التناقضات. وبالتالي تحديد التكتيكات والشعارات السديدة. وطرحه مفهوم الحلقة الأضعف في السلسلة الأمبريالية ومفهوم التطور اللامتكافيء. وتأكيده على ضرورة قيادة الطبقة العاملة للثورة لإنجاز المهام الديمقراطية التي لم تعد البرجوازية التبعية قادرة على إنجازها والقيام بالثورة الاشتراكية.
– التشبث باعتبار أن الطبقة العاملة هي الطبقة الأساسية المؤهلة لقيادة النضال من اجل التغيير لكي يصل إلى مداه أي بناء المجتمع الاشتراكي وبالتالي ضرورة بناء تنظيمها السياسي المستقل الذي ينظم طلائع الكادحين الغير عمال (فلاحون فقراء وكادحو الأحياء الشعبية). والتأكيد على التجدر في الطبقة العاملة ومفهوم القلعات البروليتارية.
– التشبث بأهمية الثورة على الصعيد المغاربي وعلى الصعيد العالم العربي مما سمح بالرؤية السديدة للصهيوينة.
– التشبث بأن التناقض بين النظام السياسي (المخزن) والاقتصادي-الاجتماعي السائد (الرأسمالية التبعية) من جهة والطبقة العاملة وعموم الكادحين من جهة ثانية تناقض عدائي وبالتالي لا سبيل لحله بواسطة الاصلاحات، بل المطلوب هو النضال من أجل تغييره بشكل جدري.
– التشبث بمفهوم النضال الديمقراطي الجماهيري الذي يهدف إلى الدفاع عن مصالح الجماهير وفي نفس الوقت الرفع من وعيها وتنظيمها بعيدا عن الاستغلال الانتخابوي أو إسقاط الشعارات الثورية عليها.
– التشبث بالقطائع الأساسية التي انجزتها الحركة الماركسية-اللينينية والتي أكدها الواقع:
°مع التحريفية التي كانت قد حولت الماركسية إلى جسد بدون روح لتبرير التعاون الطبقي الذي كانت تمارسه وإعادة الاعتبار للماركسية ولنفسها التغييري الثوري باعتبارها الفكر القادر على فهم طبيعة وواقع نمط الإنتاج الرأسمالي وتوفير الأسلحة للقضاء عليه وبناء الاشتراكية على طريق الشيوعية. فالتحريفية لعبت دورا سلبيا من خلال تبنيها لمفهوم “الطريق الثالث” اللا رأسمالي الذي نظر لقيادة البرجوازية لحركات التحرر الوطني في المستعمرات. كما ساهمت في تراجع بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وصولا إلى انهياره.
°مع الإصلاحية التي لاتعني عدم النضال من أجل إصلاحات، لكن عدم السقوط في اعتبار إن هذه الإصلاحات ستؤدي تدريجيا إلى تغيير طبيعة النظام السياسي والاقتصادي-الاجتماعي السائد.
وهنا لا بد من توضيح الفرق بين الاصلاحية والثورية:
إن الإصلاحي يقبل بمشروعية النظام القائم ويعتقد أن جوهره قابل للتغيير بواسطة إصلاحات تدريجية. لذلك فهو يركز نضاله على محاولة إقناع النظام بأن من مصلحته أن يتغير أو الضغط عليه من أجل أن يغير جوهره من تلقاء نفسه.
أما الثوري، فإنه يعتبر النظام السائد كواقع قائم فقط له أدواته وأجهزته وإيديولوجيته. لكنه لا يعترف بمشروعيته ولا بقابليته لتغيير جوهره من تلقاء نفسه أو بواسطة إقناعه بذلك.إن الثوري يناضل من أجل الإصلاحات لأنه يؤمن أن انتزاع مكتسبات تعطي للجماهير الشعبية الثقة في قوتها وقدرتها على فرض التغيير. لكنه في نفس الوقت لا يزرع الوهم، كالإصلاحي، بأن هذه الإصلاحات ستؤدي، بشكل تدريجي، إلى تغيير جوهر النظام القائم، بل عليه دائما أن يوضح أن هذه الإصلاحات تظل جزئية وقابلة للتراجع مادام جوهر النظام القائم لم يتغير.
وهذا ما أثبتته تجربة بلادنا، خلال أكثر من ستين سنة، حيث لا زال الجوهر الاستبدادي للنظام القائم سائدا، رغم الدساتير المتتالية الممنوحة والانتخابات والمؤسسات “الديمقراطية” المزعومة.
°مع فكر الحركة الوطنية ونظرتها لتاريخ المغرب واعتبار أن فكرها الإصلاحي التوفيقي يتحمل مسؤولية كبيرة في إجهاض النضال من اجل التحرر الوطني والديمقراطية والوحدة المغاربية لتركيزه على التوافقات مع النظام واحتقاره للجماهير وإشاعته للشوفينية. والتأكيد مقابل ذلك على النضال الجماهيري في مواجهة الأطروحات النخبوية والتوظيف السياسوي لنضالات الجماهير. ولعل ما وصلته قوى “الحركة الوطنية”، بما في ذلك اليسار التقليدي، من انحطاط يوضح كم كانت الحركة الماركسية-اللينينية المغربية سباقة لفهم طبيعة هذه القوى وكم كانت محقة في طرحها للبديل الثوري لها المتمثل في الاستمرار، بتصميم وعزيمة لا تلين، في العمل على بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة.
كل ما سبق يفند إدعاءات البعض بأن الحركة الماركسية-اللينينية المغربية لا تتوفر على الشرعية التاريخية وأنها رد فعل شباب متمرد على الاوضاع ومندفع. على عكس ذلك، يتبين، الآن وأكثر من أي وقت مضى، مدى سدادة وضع هذه الحركة لمهمة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة على رأس أولويتها وتشبث النهج الديمقراطي بمركزية هذه المهمة ومدى سدادة القطائع التي أحدثتها. ومن الطبيعي كحركة فتية أن ترتكب أخطاء (الثورة على الأبواب، الشبيبة التعليمة مقدمة تكتيكية وقنطرة العبور نحو الطبقة العاملة…) وأن تنبهر بتجارب شعوب أخرى إلى حد استنساخها وإسقاطها على الواقع المغربي (ثورة أكتوبر، الثورة الصينية…).
وتميز النهج الديمقراطي بالتشبث بالثقافة التي تربى عليها مناضلو ومناضلات “إلى الأمام”:
° ثقافة الصمود في وجه العدو، ليس فقط في المعتقلات السرية والسجون، ولكن أيضا في الساحة النضالية والسياسية والفكرية، وذلك بالتصدي لأطروحات الارتداد على الفكر الماركسي واللينيني والفكر التقدمي عامة، عملا بمقولة منظمة “إلى الأمام”: بناء حزب الطبقة العاملة تحت نيران العدو.
° ثقافة الاصرار على الوفاء للمبادئ التي ضحى من أجلها شهداؤنا ومناضلاتنا ومناضلينا في السجون والمعتقلات وفي الساحة النضالية.
° ثقافة الاستمرار رغم الضربات القمعية المتتالية وبالارتكاز دائما إلى تقييم ونقد وتقويم التجارب والتصورات ليس لتبرير التراجعات ولكن للتسلح بالدروس لمتابعة مسيرة النضال بإصرار ونضج وقناعة أكبر.
° ثقافة التفاني والكفاحية في خدمة مصالح الكادحين، من خلال الانخراط في نضالات الشعب المغربي والسعي إلى توحيدها والدفع بها لكي تصب في النضال العام من أجل التغيير الديمقراطي السياسي والاجتماعي-الاقتصادي-الثقافي.
كما تميز النهج الديمقراطي بالتشبث بموقف تقرير مصير شعب الصحراء الغربية الذي تبنته منظمة “إلى الأمام” والدفاع عنه بكل جرأة رغم كلفته القمعية وهو الموقف الذي أثبت التاريخ صحته.
2. النهج الديمقراطي تطوير لفكر الحركة الماركسية-اللينينية المغربية:
1.2. قضايا إستراتيجية:
لقد عمق النهج الديمقراطي معرفته بالتشكيلة الاجتماعية المغربية حيث أنتجت السيرورة التاريخية لتشكل الشعب المغربي، خلال مرحلة طويلة امتدت بضعة قرون، مجتمعا طبقيا يتشكل من كمبراودر وملاكي الأراضي الكبار (ونظامهم السياسي المخزني) يشكلون كتلة طبقية سائدة من جهة، ومن جهة ثانية طبقة عاملة وكادحين غير عمال (فلاحون صغار ومعدمين، كادحو الأحياء الشعبية) وطبقات وسطى. كما أدى تغلغل نمط الإنتاج الرأسمالي إلى انقسام المجال إلى مناطق تتركز فيها الثروة حيث تمتص خيرات البلاد لفائدة الرأسمال العالمي وفي مقدمته الرأسمال الفرنسي ولفائدة الكتلة الطبقية السائدة وهي بالأساس السهول الأطلسية مع جيوب في المناطق المنجمية ومناطق شاسعة تعاني من التهميش. وكنتيجة لما سبق تتركز الطبقة العاملة في مناطق تمركز الثروة (ما سماه ليوطي بالمغرب النافع) مع جيوب في المناطق المنجمية ويتمظهر فيها الصراع كصراع طبقي، بينما يتمظهر الصراع الطبقي في المناطق المهمشة كصراع من أجل رفع التهميش عن هذه المناطق يخوضه الفلاحون الفقراء وعموم الكادحين.
كما أن الرأسمالية التبعية وغياب إصلاح زراعي أديا إلى هجرة قروية متسارعة نحو المدن حيث تتضخم أعداد الكادحين والمهمشين القاطنين في أحياء القصدير وأحياء السكن العشوائي.
إن السيرورة التاريخية أدت عموما إلى احتفاظ مناطق “المغرب غير النافع” بلغتها وثقافتها الأمازيغية.
هكذا ففي المناطق المهمشة من المغرب يرتبط النضال من أجل رفع التهميش وازدهار هذه المناطق أشد الارتباط بقضية اللغة والثقافة الأمازيغيتين.
كما طور النهج الديمقراطي تصوره لهوية الشعب المغربي حيث اعتبر “أنه من الخطأ اختزال هوية شعبنا الغنية بتعددها وتنوعها في لحظة من لحظات تشكلها وتطورها أو في مظهر أو بعد وحيد من أبعادها سواء كان هو الإسلام أو الأمازيغية أو العروبة أو الوطنية. لأن هذه الهوية هي مركب من كل ذلك إضافة إلى تطلعات المغاربة وإرادتهم في العيش المشترك أي إلى مشروعهم المجتمعي الذي يمثل في واقع الأمر حقلا ورهانا لصراع المشاريع التي تحملها الفئات والطبقات الاجتماعية المتصارعة.
لذلك فإن النهج الديمقراطي، كحركة ماركسية، يساهم في هذا الصراع من أجل تنمية وإغناء الجوانب المشرقة في هويتنا ومحاربة النزعات المظلمة والمنغلقة وفتح الآفاق أمام التطور الديمقراطي لكل مكوناتها في اتجاه تقدمي، عقلاني ومنفتح على انجازات الفكر الإنساني، وبما يخدم وحدة شعبنا وانعتاق طبقاته الكادحة.”(4).
وقد مكن ذلك من تطوير تصور ومواقف النهج اليمقراطي من الأمازيغية والعروبة والإسلام. كما حضيت قضية المرأة باهتمام خاص.
لقد دقق النهج الديمقراطي استراتيجية التغيير في بلادنا انطلاقا من تحديد التناقضات التي تخترق المجتمع المغربي وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي الاجتماعي السائد ومراحل التغيير وترابطها والطبقات المنوط بها النضال في كل مرحلة وبرامج التغيير أخدا هوية شعبنا بعين الاعتبار (الدين، الامازيغية، العروبة…).
واعتبر النهج الديمقراطي أن المرحلة التي تمر منها بلادنا هي مرحلة التحرر الوطني من هيمنة الامبريالية وانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية. وأن ذلك يتطلب حل التناقض الرئيسي بين الطبقات السائدة ونظامها المخزني والإمبريالية من جهة والطبقات الشعبية من جهة أخرى. الشيء الذي يستوجب بناء جبهة الطبقات الشعبية لانجاز البرنامج الذي يستجيب لمصالح كافة الطبقات الشعبية بما في ذلك الجزء الأكبر من الطبقات الوسطى وهو برنامج التحرر الوطني والبناء الديمقراطي.. غير أن النجاح في إنجاز هذه المهام يفرض أن تكون قيادة هذه الجبهة من طرف الطبقة العاملة وعموم الكادحين الذين هم أكبر المتضررين من هيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة والنظام المخزني. وتجارب قيادة هذا النضال من طرف البرجوازية الصغرى (التجربة الناصرية وتجربة البعث في العراق وتجارب أمظمة أنظمة تقدمية في أمريكا اللاتينية وغيرها) التي أدت إلى الفشل واضحة في هذا الصدد.
لذلك لا بد، في نفس السيرورة، من بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين لتوفير شروط تحقيق مهام مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي وانفتاحها على الأفق الاشتراكي وبناء جبهة الطبقات الشعبية.
إن أخد واقع التشكيلة الاجتماعية المغربية بعين الاعتبار يستدعي بناء مغرب فيدرالي يوفر أقصى قدر ممكن من الاستقلالية “autonomie” للمناطق ذات الخصوصيات الاثنو-ثقافية في إطار من التضامن و التعاون بين مختلف مناطق البلاد.
2.2. السيرورات الأربع:
يندرج نضال النهج الديمقراطي ضمن أربع سيرورات مترابطة ينعكس التقدم في إحداها ايجابيا على السيرورات الأخرى. ويعتبر النهج الديمقراطي أن سيرورة بناء حزب الطبقة وعموم الكادحين تلعب دورا حاسما.
– سيرورة بناء الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة المنظم لعموم الكادحين: إن هذه السيرورة تتطلب إبداع أشكال من التنظيم تساعد على التمفصل بين الحركة النضالية للجماهير الكادحة وتنظيماتها الذاتية المستقلة وبين الحزب والعمل من أجل توحيد المناضلين والقوى التي تناضل من أجل القضاء على الرأسمالية والانغراس وسط الطبقات الكادحة وإغناء الفكر الاشتراكي وتأصيله في التربة المغربية.
– سيرورة تطوير وتوسيع الحركة النضالية عبر بناء وتطوير وتنويع وتوحيد تنظيماتها الذاتية المستقلة.
– سيرورة بناء جبهة الطبقات الشعبية عبر المساهمة في بلورة برنامج يركز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي على طريق الاشتراكية وتلتف حوله أكبر قوة سياسية واجتماعية ممكنة.
– سيرورة بناء أممية ماركسية من أجل تجاوز الرأسمالية وبناء الاشتراكية.
1,2,2. سيرورة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين:
تبنى النهج الديمقراطي منذ تأسيسه مهمة مركزية تتمثل في بناء التنظيم السياسي للطبقة العاملة وعموم الكادحين ثم قرر في مؤتمره الرابع تحمل مسئوليته التاريخية في بناء هذا الحزب واعتبر أن الاعلان عن تأسيس حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين أصبح مهمة آنية للاعتبارات التالية:
° دخل نمط الإنتاج الرأسمالي في أزمة هيكلية عميقة ومتفاقمة لن يستطيع تجاوزها إلا بالحروب وتكثيف استغلال الطبقة العاملة وتصعيد نهب الخيرات الطبيعية وتدمير البيئة وهو ما يحتم على الرأسمالية التخلي عن مظهرها الديمقراطي وانفضاح حقيقتها أكثر فأكثر كديكتاتورية البرجوازية. وكشفت جائحة كوفيد-19 عن فشل الرأسمالية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والايديولوجية والبيئية والاخلاقية. إن هذا الواقع يراكم السخط الشعبي ضد الرأسمالية ويوفر شروطا إيجابية لاسترجاع الاشتراكية لجاذبيتها، شريطة بناء الطبقة العاملة، باعتبارها الطبقة النقيض للرأسمالية، أدواتها التنظيمية المستقلة عن البرجوازية، وعلى رأسها حزبها.
° أكدت السيرورات الثورية في العالم العربي والمغاربي الدور الحاسم للطبقة العاملة في فرض رحيل رموز النظام في تونس ومصر والسودان والجزائر.كما أظهرت أن غياب حزبها سمح لقوى تمثل الطبقات البرجوازية من قطف ثمار التغيير لصالحها. وكذلك الأمر بالنسبة للحركات الشعبية القوية التي عرفتها عدد من الدول (فرنسا، الاكوادور، التشيلي…). كما تشهد الطبقة العاملة في العالم نهوضا ومحاولات عدة لبناء أحزابها المستقلة.
° إنهيار الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية بسبب خياناتها المتكررة وتحولها إلى خادم أمين للرأسمالية.
° إنكشاف حدود الشعبوية اليسارية (سيريزا، بوديموس، فرانس أنسوميز…).
° بلادنا تعيش سيرورة ثورية قد تؤدي إلى الانفجار في أية لحظة بينما مساهمة الطبقة العاملة في هذه السيرورة تخدم مصالح الطبقات الأخرى في ظل عدم امتلاك الطبقة العاملة لأدواتها المستقلة، وعلى رأسها الحزب. ولذلك فإن أي تأخر في تأسيس هذا الحزب ستكون له نتائج وخيمة ومأساوية على مآل السيرورة الثورية.
° إن الصراع الطبقي يتخد، الآن وهنا، أساسا، شكل نضالات تخوضها تنظيمات ذاتية شعبية مستقلة (حراكات شعبية، تنسيقيات، لجان…) عن القوى السياسية والنقابية والجمعوية المناضلة.
إن هذه التنظيمات الشعبية الذاتية المستقلة في حاجة إلى هذا الحزب الذي سيعمل على توحيد نضالها وإعطائه أفقا سياسيا يتمثل في التخلص من المخزن على طريق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية. كما أن هذا الحزب سيلعب دورا إيجابيا في تصحيح الحركة النقابية التي تعيش أزمة عميقة وجعلها تخدم الطبقة العاملة عوض استخدامها وفي بناء جبهة الطبقات الشعبية وتمفصل سديد بين أدوات الصراع الطبقي للطبقة العاملة (النقابة كأداة للصراع الاقتصادي والحزب والجبهة الشعبية كأداتين للصراع السياسي) والتنظيمات الذاتية المختلفة للكادحين، وفي مقدمتها حركات النضال الشعبي.
° إن الظروف ملائمة لإحداث نقلة نوعية في سيرورة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين نظرا لكون النضالات الشعبية المتعددة تلعب دورا هاما في تطورالوعي لدى الكادحين بأعدائهم وأصدقائهم وبأهمية التنظيم والوحدة.
2.2.2. سيرورة بناء وتوسيع وتنويع وتوحيد التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية:
“يولي النهج الديمقراطي أهمية قصوى للنشاط النضالي الذي تقوم به مختلف فئات وطبقات شعبنا الكادح، لأنه من خلال هذا النضال يصبح نشاط الأفراد اجتماعيا فيدركون موقعهم داخل الجماعة، وتتحدد معالم حقوقهم وواجباتهم ويتبلور وعيهم.
لذلك أعطى النهج الديمقراطي، منذ نشأته، أهمية قصوى لبناء وتطوير وتنويع التنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية، وخاصة الكادحة، حيث جعل منها السيرورة الثانية التي يشتغل على إنجازها بعد سيرورة بناء حزب الطبقة وعموم الكادحين وذلك للأسباب التالية:
إن التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير تتميز بكونها تشكل وسيلة للتربية على العمل الجماعي والمنظم وأداة لتربية الجماهير لنفسها بنفسها ووسيلة لأخذ شئونها بيدها وفرز طلائعها.
وتلعب التنظيمات الذاتية دورا مهما في رفع الوعي من الاهتمام بقضية خاصة (الغلاء، التعليم، الصحة، السكن…) أو مشاكل مجتمعية أو منطقة أو مدينة معينة إلى وعي أشمل، أي أنها تساعد على تجاوز الفصل بين المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي تسعى الايدولوجية البرجوازية إلى ترسيخه في أذهان الجماهير.
لقد وصلت الديمقراطية اللبرالية المبنية على الإنابة إلى حدودها. لذلك تمثل التنظيمات الذاتية محاولة لتجاوز الديمقراطية التمثيلية، ديمقراطية الإنابة. فهي إذن تفتح آفاقا جديدة أمام تطوير ديمقراطية من مستوى أرقى.
كما أن لهذه التنظيمات الذاتية للجماهير دور استراتيجي في وضع لبنات العمل المشترك ميدانيا بين الطبقات الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير الجدري ببلادنا. وبفضل ذلك تختبر الجماهير وفئات شعبنا بعضها البعض فتبنى جسور الثقة والرغبة في العيش المشترك فتساهم في بناء الجبهات النضالية وقد تشكل جنين جبهة الطبقات الشعبية المنشودة.
وتشكل التنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية مشروع بناء للسلطة من تحت إلى فوق وهي ما يرفد الحزب بنبض الشعب وتطلعاته وآماله وأيضا انتقاداته وقد نشكل، بعد نجاح الثورة، سدا أمام خطر البرقرطة والانحراف والاستبداد”(5).
يلتزم النهج الديمقراطي باحترام استقلالية هذه التنظيمات. ولكونها مخترقة بالصراع بين تصورات تعبر عن مصالح طبقية مختلفة، فإنه يناضل من أجل تحصينها من اختراق و/أو احتواء المخزن ويدافع، بشكل ديمقراطي، على تصوره الخاص لها ويرفض تحويلها إلى مجرد تنظيم تابع للحزب.
“إن النهج الديمقراطي يجب أن يناهض أية نزعة تجعل التنظيم السياسي المنشود المالك للحقيقة والضامن الوحيد لمصالح الكادحين. ذلك أن العلاقة بين التنظيم السياسي والتنظيمات الذاتية لا يجب أن تكون علاقة تفوق الأول على الثانية بدعوى امتلاكه للتصور العام وتحديده للخطط والاستراتيجيات التي ليس على التنظيمات الذاتية إلا أن تطبقها في مجال اختصاصها. إن العلاقة بين الاثنين علاقة تفاعل دائم وجدلي، ذلك أن بلورة العام أي السياسي يرتكز إلى استيعاب الخاص وتجاوزه تجاوزا جدليا. وبدون ذلك لا يعدو أن يكون العام وعاء فارغا. كما أن العام بدون تمظهره في الخاص يبقى غير ذي معنى. أما الخاص، أي نضال تنظيم ذاتي معين إذا لم يستبطن العام، فإنه سيكون فعلا معزولا ويفتقد للبوصلة وقد يسقط في الفوضى والانتهازية وقد يتم احتواؤه من طرف الدولة ومختلف القوى المهيمنة”(6).
3.2.2. سيرورة بناء جبهة الطبقات الشعبية:
“لقد تقدم النهج الديمقراطي نسبيا في فهم تعقيدات بناء جبهة الطبقات الشعبية. فلكونها جبهة ستنجز مهام مرحلة قد تطول وتعرف تطورات مفاجئة وسريعة في بعض الأحيان وهي مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي المنفتح على الأفق الاشتراكي، فإنها جبهة ذات طابع إستراتيجي. إن ضرورة التركيز على العدو الأكثر شراسة، في فترة معينة، وبناء أوسع تحالف ضده قد يفرض علينا بناء جبهات تكتيكية أوسع من جبهة الطبقات الشعبية. لكن هذه الجبهات يجب أن تخدم مهمة بناء جبهة الطبقات الشعبية.
لذلك، وانطلاقا من تحليله للواقع الملموس لبلادنا، حدد النهج الديمقراطي الجبهات التالية:
الجبهة الميدانية:
إن الشرط الأول والمسبق لإحقاق الديمقراطية هو إضعاف المخزن على طريق إسقاطه. لذلك فإننا في حاجة إلى إطار لتنسيق عمل كل القوى المناهضة للمخزن شريطة أن تكون هذه القوى مستقلة في قرارها وبالتالي غير تابعة لقوى إقليمية معينة وألا ترفض الديمقراطية على الأقل كآلية (الانتخابات).
ويجب أن يتم هذا في الميدان كما توضح ذلك تجربة حركة 20 فبراير التي شكلت وعاء لتجارب ومرجعيات مختلفة بل متناقضة. وتجسد هذا التنسيق في إطارات الحركة المحلية والوطنية (جموعات عامة محلية وأرضية عامة تركز مطالب الحركة يتم تطويرها بشكل تدريجي وبتوافق بين مكوناتها).
إن هذه الجبهة ضرورية لإحداث دينامية نضالية ذات أفق ثوري في البلاد وحدها الكفيلة بجذب الملايين من كادحي شعبنا إلى ساحة النضال الشعبي ضد المخزن.وهذا ما تبرزه دروس ما جرى على صعيد المنطقة العربية في مواجهة الشعوب لرموز الاستبداد.وخلال هذه الدينامية سيتم الفرز بين تلك المكونات وحتى في صفوفها وذلك بفضل الحوار والصراع الديمقراطي السياسي والفكري بينها وبفضل التعاون أيضا في مواجهة المحن التي ستفرضها المواجهة مع العدو الرئيسي. إن هذه الجبهة هي التجسيد الملموس، والذي سيتطور باستمرار بارتباط بتطور الصراع الطبقي، للجبهة الموحدة للنضل ضد المخزن ولبناء نظام ديمقراطي.
الجبهة الديمقراطية:
لكن هذا الشرط (إسقاط المخزن) إذا كان ضروريا، فهو غير كاف لبناء نظام ديمقراطي. فالهدف من الجبهة ليس فقط إسقاط المخزن، بل أيضا بناء نظام ديمقراطي. لذلك لابد من الشروع من الآن في بناء جبهة ديمقراطية تضم كافة القوى الديمقراطية السياسية والنقابية والمدنية على أساس برنامج ديمقراطي حد أدنى حول نفس الهدف العام: إسقاط المخزن. إن انخراط المنظمات النقابية والمدنية الديمقراطية في الجبهة مسألة أساسية لأنه شرط لانخراطها في النضال العام، خاصة وأنها تضم آلاف المناضلين الديمقراطيين غير المنظمين سياسيا يشكلون قوة هامة.
إن هذه الجبهة يجب أن تضم كل الديمقراطيين الحقيقيين، كتنظيمات سياسية أو اجتماعية أو مدنية بكل مشاربها الإيديولوجية (يسارية، ليبرالية، إسلامية) أو كفعاليات وشخصيات”(7).
4.2.2. سيرورة بناء أممية ماركسية:
“خلافا للقوى اللبرالية والاجتماعية-الديمقراطية التي تتوفر على هيئات دولية تنسق عبرها مواقفها وتتبادل التجارب فيما بينها وتعالج تناقضاتها، تتميز القوى الماركسية بالتشرذم بل حتى العداء فيما بينها. وهذا الواقع له جذوره في التجربة التاريخية للحركة الماركسية العالمية.
إن النهج الديمقراطي الذي يعتبر نفسه جزءا من الحركة الماركسية العالمية لا يمكن أن يبقى مكتوف الأيدي أمام هذا الواقع، بل يسعى، قدر الإمكان، إلى المساهمة في تجاوزه. ولعل أحد الوسائل لبلوغ هذا الهدف هو تركيز الماركسيين(ات) على الجواب على سؤال “ما العمل الآن وهنا؟”، أي في ظل التطورات التي عرفتها الرأسمالية، والاستفادة من دروس الماضي دون الإنشداد إليه إلى حد تقديس تجربة هذه الحركة الماركسية أو تلك وجعلها نموذجا يحتدى به و حدا فاصلا مع الحركات الأخرى. إن الجواب على سؤال “ما العمل الآن وهنا؟” يتطلب مجهودا فكريا مشتركا للماركسيين في العالم وأيضا وأساسا انخراطهم الجماعي في النضال ضد الرأسمالية واستخلاص الدروس من هذا النضال. من هذه المنطلقات، يسعى النهج الديمقراطي إلى تعميق فهمه للواقع وللماركسية وإلى بناء وتطوير علاقاته مع قوى وتجمعات لقوى ماركسية”(8).
3.2.قضايا التكتيك:
طور النهج الديمقراطي فهمه للتكتيك حيث اعتبر إن التكتيك هو كل الوسائل وأساليب العمل وأشكال التنظيم والنضال والدعاية والتحالفات المرحلية التي تمكن من التقدم نحو إنجاز المهام الاستراتيجية أخذا بعين الاعتبار الواقع الملموس لكل فترة فترة. إن التكتيك يجب أن يخدم الأهداف الأسمى (الاشتراكية) والمرحلية (التحرر الوطني والبناء الديمقراطي)، لكن بأخذ الوضع الموضوعي (ميزان القوى) والذاتي بعين الاعتبار.
هكذا حدد النهج الديمقراطي، كما أوضحنا أعلاه جبهتين تكتيكيتين: الجبهة الميدانية والجبهة الديمقراطية.
واعتبر أن النضال الجماهيري والسياسي-التنظيمي وحدة جدلية يلعب فيها السياسي والتراكم التنظيمي دورا محركا وحاسما وأن التعامل مع الانتخابات بالمشاركة فيها أو عدم المشاركة أو المقاطعة ومع المؤسسات المنتخبة مسألة تكتيكية يتحدد الموقف منها بمدى خدمته لتقدم نضال الشعب ضد أعدائه.
وانطلاقا من تقييم الواقع الموضوعي في مرحلة 1985-1995 والوضع الذاتي لمنظمة “إلى الأمام” وبعد أن تبين أن عملية تجميع المناضلين المنحدرين من تجربة الحركة الماركسية- اللينينية المغربية التي انخرط فيها مناضلو ومناضلات “إلى الأمام” بحماس تتعارض مع هويتهم الماركسية ومهامهم الإستراتيجية، وخاصة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة، فإنهم(ن) اعتبروا أن الفترة مناسبة لتطوير العمل العلني والنضال من أجل الشرعية القانونية، وذلك دون التنازل عن الهوية الماركسية وعن الموقف من النظام كنظام تبعي استبدادي. لذلك أعلنوا عن تأسيس “النهج الديمقراطي” كحركة علنية في 15 أبريل 1995 وشرعوا في وضع أسسه الفكرية والسياسية والتنظيمية بالارتكاز إلى الاجتهادات الفكرية والسياسية التي تراكمت خلال 25 سنة. ثم طالبوا، منذ 1999، بالقانونية التي انتزعوها في 2004 بدون تقديم تنازلات عن قناعاتهم ومبادئهم وخطهم السياسي والفكري.
إن شكل التنظيم مسألة تكتيكية ويعني هذا أن اعتماد صيغ مثل حزب جماهيري أو منظمة للمحترفين الثوريين، العمل في السرية أو في العلنية أو في إطار الشرعية القانونية أو مزيج بين هذه الأشكال هي قضايا غير ثابتة مرتبطة بالشروط الذاتية والموضوعية الملموسة في فترة تاريخية محددة مما يفرض التكيف بالسرعة اللازمة مع شروط النضال والصراع.
الشكل المناسب للفترة الراهنة هو حزب قانوني ذو عمق جماهيري طبقي مكون، أساسا، من طلائع العمال والكادحين والمثقفين الثوريين، وليس حركة أو ملتقى أو تنسيقا للحركات الاجتماعية أو تجمعا أو ائتلافا لتعبيرات سياسية لفئات اجتماعية مختلفة.
هوامش:
(1)الإطار المرجعي للنهج الديمقراطي
(2) لينين : برنامجنا، 1899 ، الاعمال الكاملة، ج 4 ص-ص : 217-218 ط الفرنسية
(3)الإطار المرجعي للنهج الديمقراطي
(4)نفس المصدر السابق
(5)أطروحات المؤتمر الوطني الرابع
(6)الإطار المرجعي للنهج الديمقراطي
(7)أطروحات المؤتمر الوطني الرابع
(8)نفس المصدر السابق
* مقال للرفيق عبدالله الحريف في مجلة النهضة.