الحزب الشيوعي السوداني: الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية

الحزب الشيوعي السوداني: الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية

pcs الحزب الشيوعي السوداني: الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية


قضايا فكرية – 3

الحزب الشيوعي السوداني
اللجنة المركزية
مكتب التثقيف المركزي

قضايا فكرية (3)
سلسلة التثقيف السياسي النظري (7)
نوفمبر 2019

المحتويات:

* حتى لا تتكرر انتكاسة أكتوبر.
* المليشيات الخطر المباشر علي الفترة الانتقالية.
* الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية.
* لماذا السير في الطريق الذي قاد للآزمة والثورة؟!!


  • تقديم

يسرنا أن نقدم الكتاب رقم (7) من سلسلة التثقيف السياسي النظري التي يصدرها مكتب التثقيف المركزي و تعالج “قضايا فكرية” وعملية برزت بعد التوقيع علي الوثيقة الدستورية، وتحتاج للوضوح السياسي والنظري حولها، حتى تواصل الحركة الجماهيرية نضالها من اجل انجاز مهام الفترة الانتقالية، ومواصلة الثورة حتي تحقيق أهدافها وتصحيح مسار ها من خلال نقد الأخطاء وتقديم البديل،ورفض التأييد الأجوف الذي يتفادى مواجهة صعوبات الفترة الانتقالية، والصمت عن الأخطاء، وهيمنة المكون العسكري، ما يؤدي لتراكم الأخطاء، ويؤدي لنسف الفترة الانتقالية، والتصدى لدعاوى الانتخابات المبكرة دون وضع الأساس بانجاز مهام الفترة الانتقالية.
اضافة للتصدى للعناصر الانتهازية والتصفوية التي تفرط في السيادة الوطنية بربط البلاد بمحور حرب اليمن، والتدخل في شؤونها الداخلية، مما يتعارض مع السياسة الخارجية المتوازنة للبلاد، وقيامها علي المصالح المشتركة مع الدول، وعلاقات حسن الجوار.
كما تبرر للسير في توجه اقتصادنا للخارج وتنفيذ موجهات البنك والصندوق الدوليين التي تؤدى لافقار البلاد ونهب موارها واغراقها في ديون ثقيلة تفقد البلاد سيادتها واستقلالها.
فضلا عن التفريط في قومية القوات النظامية والخدمة المدنية، وبالتبرير لوجود مليشيات الدعم السريع التي تهدد وحدة البلاد والديمقراطية والحرية،وترفض النشاط الجماهيري المستقل، و وتعمل علي الهيمنة علي النقابات ولجان المقاومة، ووضعها تحت وصاية السلطة، مما يتطلب الصراع من أجل النشاط المستقل للجماهير والوجود الدائم في الشارع باعتباره الضمان لحماية الثورة حتى تصل لأهدافها، إضافة لمواصلة النضال من أجل ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية السودانية، ولجان المقاومة في مجالات السكن والعمل والدراسة، باعتبارها الضمان لاستمرار الثورة.
يحتوي الكتاب علي القضايا الأتية:-
1- حتى لا تتكرر انتكاسة ثورة أكتوبر.
2 – المليشيات الخطر المباشر علي الفترة الانتقالية.
3- الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية.
4 – لماذا السير في الطريق الذي قاد للأزمة والثورة؟!!
وأخيرا نتمنى أن تصلنا المزيد من المساهمات بهدف خلق المزيد من الوضوح السياسي والنظري حول مهام الفترة الانتقالية، ومواصلة الصراع ضد ” الهبوط الناعم” الذي يعيد غنتاج النظام السابق وسياساته القمعية والاقتصادية والسياسية، وتحالفاته العسكرية والأمنية الخارجية التي تهدد امن واستقرار البلاد وسيادتها الوطنية.
مكتب التثقيف المركزي
نوفمبر 2019

1- حتى لا تتكرر انتكاسة ثورة أكتوبر
تتنسم جماهير شعبنا عبير الذكرى 55 لثورة أكتوبر 1964م التي انفجرت نتيجة لتراكم النضال اليومي الذي خاضته الجماهير ضد الديكتاتورية العسكرية التي صادر الحريات والحقوق الأساسية، وازدادت نيران الحرب في الجنوب، وطغت في البلاد، فأكثرت فيها الفساد، وفرطت في أرض عزيزة من الوطن باغراق حلفا،وغمر آثارها التاريخية مقابل ثمن بخس، وفرطت في السيادة الوطنية بربط البلاد بالمعونة الأمريكية المشروطة، وجعل الاستعمار الحديث من الحكم العسكري شرطيا لضرب حركات التحرر الوطني في أفريقيا، جعلت أوضاع الجماهير المعيشية لا تطاق، مما أدي لاستمرار المقاومة وتراكمها حتى تم اسقاط النظام في ثورة أكتوبر، عن طريق الاضراب العام والعصيان المدتي الذي طرحة الحزب الشيوعي منذ أغسطس 1961 كأداة للاطاحة بالديكتاتورية العسكرية.
تمر ذكري أكتوبر هذا العام والجماهير تخوض معركة شرسة لاستكمال مهام ثورة ديسمبر 2018 التي جاءت امتدادا لثورة اكتوبر، والتي عبرت عن عمق الشعارات التي طرحتها الجماهير منذ نهوض الحركة الوطنية في منتصف اربعينيات القرن الماضي التي تتلخص في : الديمقراطية والحرية ووقف الحرب والسلام، واستكمال التحرر الوطني بالمضمون الاجتماعي بتوفير احتياجات الجماهير الأساسية في العدالة وحكم القانون ومجانية التعليم والخدمات الصحية، والتنمية المتوازنة، والحكم الذاتي في اطار السودان الموحد، والسيادة الوطنية، وعدم ربط البلاد بالمحاور والأحلاف العسكرية، وتمثيل العمال والمزارعين في الحكم، والغاء القوانين المقيدة للحريات، وتطهير جهاز الدولة من الفاسدين والمرتشين، والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل، والاصلاح الزراعي الذي ينهض بالإنتاج الزراعي و الريف السوداني، وتحسين مستوى معيشة العاملين وتركيز الأسعار وزيادة الأجور وديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية.
كما جاءت ثورة ديسمبر نتاجا لتراكم نضال طويل خاضته جماهير شعبنا لحوالي ثلاثين عاما، بهدف تحقيق أهدافها كما جاء في ميثاق إعلان “قوى الحرية والتغيير” الذي تمّ التوقيع عليه في يناير 2019.
تمر ذكرى أكتوبرفي ظروف ما بعد التوقيع علي الاتفاق حول “الوثيقة الدستورية”، الذي كرّس “الهبوط الناعم” الذي يعيد إنتاج سياسات النظام السابق القمعية والاقتصادية التي تعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية والتبعية لمؤسسات الرأسمالية العالمية وبيوتات خبرتها مثل : البنك وصندوق النقد الدوليين، ومؤسسة ” شاتم هاوس ..الخ، والتي تهدف الي التوجه الخارجي لاقتصادنا، واغراق البلاد في المزيد من الديون الخارجية التي تجاوزت 58 مليار دولار، والمزيد من افقار شعبنا وفرض سياسة التحرير الاقتصادي وسحب الدعم عن السلع الأساسية والتعليم والصحة، ونهب موارد البلاد وثرواتها، إضافة للابقاء علي التحالفات العسكرية الخارجية مثل : البقاء في الحلف العربي الإسلامي لحرب اليمن، واستمرار ارسال جنودنا لها في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وفي قوات الافريكوم وبقاء القواعد العسكرية واتفاقات التعاون الاستخباراتي التي تفرط في سيادتنا الوطنية.
مخطط قطع الطريق أمام الثورة بدأ بانقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019، وهو سيناريو كان معلوما منذ نهوض الحركة الجماهيرية في يناير 2018 ضد الغلاء والزيادات في الأسعار، القيام بانقلاب يبقي علي جوهر النظام السابق، ويوفر مخرجا آمنا لرموز النظام الفاسدة من المحاسبة، واستخدم المجلس العسكري تكتيكات ومناورات وخداع، وعنف وحشي ضد الاعتصام أمام القيادة العامة، كما حدث في أحداث 8 رمضان ومجزرة القيادة العامة في 29 رمضان التي كانت إبادة جماعية وجريمة ضد الانسانية، لا زالت المعركة تدور رحاها حول تكوين لجنة التحقيق الدولية المستقلة والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين والتي التفت حولها الوثيقة الدستورية وأفرغتها من محتواها، وكذلك قرار رئيس الوزراء بتكوين لجنة التحقيق الذي تمّ رفضها مع قانون لجنة التحقيق لعام 1954 .
كما ضغطت دوائر اقليمية وعالمية واستخباراتية طرفي الصراع المجلس العسكري، وجزء من (قحت) للتوقيع علي اتفاق تقاسم السلطة، بدلا من كامل السلطة المدنية الديمقراطية، وكانت النتيجة أن نال العسكريون 5 في مجلس السيادة، والحق في تعيين وزيري الداخلية والدفاع، والانفراد بالاشراف علي الاصلاح في القوات المسلحة، كما قننت الوثيقة دستوريا وجود مليشيات الدعم السريع التي تشكل خطورة علي قومية الجيش ووحدة البلاد، والحفاظ علي ثروة الذهب في يد المالية، وعلي السلام والحل الشامل والعادل في مناطق الحروب باعتبارها كانت طرفا في الابادة الجماعية مع البشير ونظامه السابق ورموزه المطلوبون للجنايات الدولية .
كما دعمت امريكا والامارات ومصر والسعودية الاتفاق، ومنحت السعودية والامارات المجلس العسكري 3 مليار دولار، ودفعت مقابل مادي لقوات حميدتي في اليمن ( المصدر: تقرير مجلة فورن بوليسي الأمريكية الميدان الخميس 8 أغسطس 2019 )، ووفرت مصر الغطاء الدبلوماسي للمجلس العسكري في الاتحاد الافريقي، إضافة للدور الذي لعبه الوسطاء في عدم التمسك بقرار الاتحاد الافريقي بتسليم السلطة للمدنيين، وتم بدلا عنه تقاسم للسلطة مع العسكريين، مما أدي ليصبح النظام عسكريا.
تم تدبير مجزرة فض الاعتصام بهدف تمكين سلطة المجلس العسكري، والتي بعدها ضغط المجتمع الدولي للتسوبة، وضغطت ” لندن،واشنطن،الرياض وابوظبي” علي الطرفين لتوقيع الاتفاق، وتمّ اجتماع لترتيب الاتفاق في منزل أحد رجال الأعمال بالخرطوم حضره دبلوماسيون من أمريكا وبريطانيا والامارات والسعودية والمجلس العسكري وبعض قادة المعارضة ( مجلة نيويرك تايمز، مجلة العربي الالكترونية 6 يوليو 2019)، وضغطت السعودية علي حميدتي لتوقيع الاتفاق “فورن بوليسي، المصدر السابق” .
كما دعم بعض قادة تجمع المهنيين الذين انطلقوا من الحد الأدنى، باعتبار أنه الأفضل والعمل علي التغيير من داخل الحكومة، كما لاحظ بعض المراقبين تراجع بعض قادة “قوى الحرية والتغيير” التي وقعت علي الاتفاق، أنها لم تبذل جهدا لتعديل بعض المواد التي جعلت قبضة العسكريين هي العليا ” فورن بوليسي،المرجع السابق”.
هذا اضافة لسلبيات المحاصصات التي تمت في تكوين مجلسي السيادة والوزراء، وتجاهل الحركات المسلحة،والتعديل الذي تمّ في الوثيقة الذي أعطى مجلس السيادة حق تعيين رئيس القضاء والنائب العام، واستمرار القمع للاحتجاجات السلمية، والتهاون في مواجهة عناصر المؤتمر الوطني والتمكين في كل مفاصل الدولة، والثورة المضادة التي أطلت برأسها كما في نشاط جماعة عبدالحى يوسف وتكفيرة لوزيرة الشباب والرياضة، والنشاط المدمر للرأسمالية الطفيلية الإسلاموية في تهريب السلع من ذهب و دقيق ووقود. الخ، وخلق أزمات في المعيشة والخدمات، وخلق الفتنة القبلية في الشرق والقمع والاغتصاب في دارفور، والقمع في جبال النوبا للمحتجين ضد شركات الموت، والدعوات للانتخابات المبكرة بهدف نسف الفترة الانتقالية.
إضافة لضم الاتصالات للسيادي بدلا من مجلس الوزراء، واستمرار التمكين في الإعلام، والتآمر في حل النقابات وتكوين لجان التسيير من لجان المؤتمر الوطني السابقة، مما يتطلب أوسع مقاومة لذلك من العاملين والنقابيين، و حصر الشركات التابعة للجيش وضمها للقطاع العام والمالية، ووضع الدولة يدها علي ثروة الذهب وتحويل عائدها للمالية..الخ.
هذا الاتفاق المعيب الذي كرّس دستوريا وجود المليشيات، ووجود العسكريين في المجلس السيادي، أدى لسيطرة العسكر، حتى أن امريكا التي ضغطت للتوقيع علي الاتفاق لقطع الطريق أمام الثورة، وعدم الوصول لنظام ديمقراطي يهدد مصالح حلفائها في المنطقة، وضعت شروطها لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب التي لخصتها في : القضاء علي المنظمات الارهابية داخل مؤسسات الدولة وفي الجيش والشركات التابعة لها، وتسليم البشير والمطلوبين للجنايات الدولية، والتفاوض مع الحركات المسلحة للوصول لسلام شامل وعادل، وتسليم المتورطين في التفجيرات ” سفارات واشنطن، نيروبي، تنزانيا، الباخرة الأمريكية في سواحل اليمن..الخ”.
+ في ذكرى ثورة أكتوبر نستلهم تجربتها في عدم تكرار الانتكاسة، ومهم مواصلة الثورة حتي تحقيق أهدافها في الآتي
– تكوين لجنة التحقيق المستقلة الدولية في فض الاعتصام والقصاص للشهداء، ومتابعة المفقودين.
– _ ابعاد رموز النظام الفاسدين من مفاصل الدولة، واستعادة أموال الشعب والشركات المنهوبة منهم، وحل حزب المؤتمر الوطني وتحويل كل ممتلكاته للدولة، وتحرير الإعلام من عناصر النظام البائد ليصبح إعلاما للشعب والثورة.
– _ أن تضع الدولة يدها علي كل الشركات العاملة في الذهب والبترول وتخصيص جزء من عائداته لتنمية مناطق الانتاج والمحافظة علي البيئة، ومراجعة كل الاتفاقات حول تأجير الأراضي الزراعية التي تصل الي 99 عاما، لمصلحة شعب السودان والمناطق المحلية.
– تحسين الأوضاع المعيشية وتركيز الأسعار ودعم السلع الأساسية، ومجانية خدمات التعليم والصحة وتوفير خدمات المياه والكهرباء، وإعادة تأهيل المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية لدعم الإنتاج وتقوية الصادر والعملة المحلية وتوفير العمل للعاطلين،الخ. وتقليل الصرف علي جهاز الدولة وميزانية الأمن والدفاع التي تصل 76 %، وزيادة ميزانية التعليم والصحة والتنمية.
– وقف الحرب والسلام الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة بالأتي :-
* الديمقراطية وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات.
* رفع حالة الطوارىء، واطلاق سراح المحكومين.
*الترتيبات الأمنية بحل كل المليشيات ” دعم سريع، جيوش الحركات..الخ”، وقومية القوات النظامية بعد تنقية المليشيات من الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية.
* تسليم البشيروالمطلوبين في جرائم الابادة الجماعية للجنايات الدولية.
* عودة النازحين لقراهم، وإعاد تأهيل واعمار مناطقهم، وعودة المستوطنين لمناطقهم، والتنمية المتوازنة.
* وقيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة، وحماية ثقافة ولغات المجموعات المحلية.
* وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية، الذي يقرر كيف تحكم البلاد؟، ويضع الإطار لدستور ديمقراطي بمشاركة الجميع، وقانون انتخابات ديمقراطي ولجنة مستقلة تضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
– الغاء كل الاتفاقات العسكرية التي تفرط في سيادتنا الوطنية، والخروج من محور حرب اليمن وعودة قواتنا منها، وقيام علاقاتنا الخارجية علي أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخري، والتفاوض لعودة كل الاراضي السودانية المحتلة مثل: حلايب، شلاتين، الفشقة.الخ.
وأخيرا ثورة ديسمبر هي امتداد عميق لثورة أكتوبر، جسدت بشكل أعمق شعارات ثورة أكتوبر، وستظل جذوتها متقدة كما هو الحال في النشاط الجماهيري الجارى، وحتى لا تتكرر انتكاسة أكتوبر مهم مواصلة النضال حتي تحقيق أهدافها في الديمقراطية وحكم القانون ووقف الحرب والسلام وتحسين الاوضاع المعيشية والاقتصادية والسيادة الوطنية، وقيام المؤتمر الدستوري للحل الشامل والعادل لمشاكل البلاد، مما ينتج عنه دستور ديمقراطي يمشاركة الجميع، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع واستعادة ممتلكات وأموال الشعب المنهوبة، وانجاز قانون انتخابات ديمقراطي، و قيام لجنة انتخابات مستقلة لضمان قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

2- المليشيات الخطر المباشر علي الفترة الانتقالية

أشارت قوى المعارضة والقوات المسلحة المهنية منذ وقت مبكر إلي خطورة تكوين المليشيات خارج القوات النظامية، ولا سيما المرتبطة بدوائر أجنبية علي وحدة البلاد واستقرارها وامنها وسيادتها الوطنية، وكانت معارضة هيئة الأركان للجيش السوداني في مذكرتها في فترة الديمقراطية الثالثة لحكومة الصادق المهدي التي أشارت فيها لخطورة تكوين قوات المراحيل أو المليشيات من قبائل المسيرية والرزيقات لمواجهة تمرد الحركة الشعبية.
كما جاء في الميثاق السياسي لقوى” نداء السودان” لإعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية ” حل وتسريح الدفاع الشعبي ومليشيات الدعم السريع وجميع المليشيات التي أنشأها النظام ونزع أسلحتها – وضع ترتيبات أمنية لقوات الجبهة الثورة لمرحلة ما بعد اسقاط النظام، وقومية القوات النظامية كحامية للوطن وسيادته – انتهاج سياسة خارجية متوازنة ومستقلة – إلغاء قانون الأمن لسنة 2010 – والالغاء الفورى لكل القوانين المقيدة للحريات”.
جاء في وثيقة إعلان الحرية والتغيير ” إعادة هيكلة الخدمة المدنية والعسكرية (النظامية) بصورة تعكس قوميتها، وعدالة توزيع الفرص دون المساس بشروط الأهلية والكفاءة – وتحسين علاقات السودان الخارجية وبناؤها علي أساس الاستقلالية والمصالح المشتركة والبعد عن المحاور – وعمل ترتيبات أمنية نهائية مكملة لاتفاق سلام عادل وشامل” .
جاء في برنامج الحزب الشيوعي السوداني المجاز في المؤتمر السادس ” حل المليشيات كافة، وحصر السلاح في يد القوات المسلحة والشرطة – إعادة تنظيم القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى علي أسس مهنية وقومية، واخضاعها للسلطة التشريعية” ( الدستور والبرنامج المجازان في المؤتمر السادس، ص 27 ).
جاء في التقرير السياسي المجاز في المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني ” بناء علاقات السودان الخارجية والصداقة والسلام بين الشعوب والمنفعة المتبادلة بين الدول، والنأى عن المحاور والأحلاف العسكرية وعدم التدخل في شؤون الأخرين”.
اتسعت ظاهرة تكوين المليشيات بعد انقلاب الاسلامويين في يونيو 1989، وكان الانقلاب نفسه قامت به مليشياتهم مع الضباط والجنود الموالين لهم، من أكبر الأخطاء التي قامو بها تدمير القوات النظامية بفصل وتشريد خيرة الكفاءات العسكرية، وادخال عضويتهم غير المؤهلة في الجيش، وتكوين مليشيات الدفاع الشعبي، وكتائب الظل، ووحدة العمليات في جهازالأمن، والوحدات الجهادية الطلابية، وجلب صنوف مختلفة من التنظيمات الارهابية للسودان في منتصف تسعينيات القرن الماضي مثل: بن لادن، وكارلوس، والارهابيين من فلسطين واليمن وليبيا وتونس، وبوكو حرام، ومن الدول الأفريقية،الخ ولعبت جامعة افريقيا دورا كبيرا في ذلك، وتحول السودان الي قاعدة لانطلاق الارهاب الدولي حتي تم وضعه في قائمة الدول الراعية للارهاب، وساءت سمعة السودان في الخارج.
وبعد الانقلاب الإسلاموي، تم نسف اتفاقية السلام ” الميرغني – قرنق”، واتسع نطاق الحرب في الجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق، وفي دارفور منذ العام 2003، وفشلت مليشيات الاسلامويين، في حسم الحرب لصالحها التي أشعلتها بعد تدمير الجيش السوداني، مما اضطرها لاستخدام مليشيات “الجنجويد” التي اتهمتها الامم المتحدة مع البشير بارتكاب جرائم حرب، وضد الانسانية من قتل جماعي وحرق القرى والاغتصاب وارتكاب ابشع المجازر التي بلغ ضحاياها 300 ألف قتيل وتشريد أو نزوح 3 مليون نازح. إضافة للمجازر التي قامت بها في جبال النوبا . الخ.، كما شاركت قوات الدعم السريع في مجزرة هبة سبتمبر 2013 التي قامت احتجاجا علي زيادة الأسعار،وبلغ عدد الشهداء فيها 200 مواطن.
كان من نتائج تدمير القوات المسلحة وفشل مليشيات الاسلامويين أن تم فصل الجنوب، واعتماد البشير علي مليشيات الجنجويد، وصعد نجم حميدتي ” محمد حمدان دقلو”، الذي اصبح مقربا للبشير وخاصة بعد أن قبض علي ابن عمه موسي هلال مكبلا بناءا علي طلب البشير، وكان موسى هلال قد عارض جمع السلاح ( مجلة العربي الجديد، 23 /8/ 2019).
رغم رفض الجيش للدعم السريع، الا أن حميدتي وجد دعما من البشير الذي تدخل لصالحه ضد وزير الداخلية عصمت محمود الذي طالب باجلاء المليشيات من منطقة جبل عامر الغنية بالذهب، مما أدي لاستقالة وزير الداخلية، وحتى عندما رفض الجيش الدعم السريع قام البشير بالحاقهم بالأمن، وتم تعديل الدستور الانتقالي لتصبح قوات نظامية إلي جانب الجيش والشرطة، بل خصص لها البشير ميزانية مباشرة خارج رقابة الدولة لتمويل حرب دارفور، إضافة لتسهيلات وامتيازات في القطاعات التجارية، كما تساهل البشير في صراع حميدتي مع احمد هارون، وقام بحمعهما للصلح بينهما، وتمّ اعتقال الصادق المهدي بعد مهاجمته لمليشيات الدعم السريع و اتهمها بارتكاب جرائم حرب.
اذا أخذنا في الاعتبار دعم البشير للمليشيات واستفادتها من نظامه الفاشل وضعفه العسكري، نجد أن مليشيات الدعم السريع أصبحت قوة اقتصادية وسياسية.

ما هي مصادر تراكم ثروة حميدتي؟.
– نشاطه التجاري السابق في المواشي بين تشاد ومالي، وتقديم خدمات حماية قوافل المواشي بعد أن كون عصابة مسلحة، وسيطر علي خطوط التجارة مع كل من تشاد وليبيا ” مجلة العربي الجديد، مصدر سابق”. وساعده عمله التجاري والتسهيلات الحكومية، والصعود السريع بعلم الدولة، في تكوين مليشيات، وصراعه في مناطق دارفور علي موارد الماء والكلأ والأرض، واستفادت الحكومة من مليشياته لقمع الحركات والاحتجاجات في دارفور(مجلة العربي الجديد، مرجع سابق).
– الميزانية من الحكومة التي كانت لا تمر بالمراجع العام ويجيزها البشير، علي سبيل المثال في محاكمة البشير الأخيرة اعترف بأنه سلم شقيق حميدتي ( عبد الرحمن دقلو القيادي البارز في الدعم السريع) مبالغ من الأموال التي حصل عليها من الإمارات والسعودية البالغة 91 مليون دولار.
– العائدات من الذهب حيث تمكن حميدتي من السيطرة علي الذهب في منطقة جبل عامر ومناطق أخرى، وعمل شركات الجنيد للأنشطة المتعددة التي تستخدم مادة ” السيانيد” الضارة رغم منع الحكومة لها، وتهريب الذهب الي تشاد ودبي، وقدر تقرير قناة ( تي . أر .تي) أن شركة الجنيد تجنى سنويا من جبل عامر 54 مليون دولار، وأن قيمة الذهب المهرب من 2010 إلي 2014 ب 4 مليار و500 مليون دولار( تقرير سري صادر عن لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي حسب مجلة فورن بوليسي)، وهي معلومات لم تنفيها قيادة المليشيات.( راجع أيضا صحيفة الجريدة بتاريخ 28 /10/ 2019، مقال هنادى الصديق)، بعد انفصال الجنوب أصبح الذهب يمثل 40 % من صادرات السودان، وقام حميدتي بتأسيس مجموعة شركات (الجنيد ) التي توجد لها مكاتب في واشنطن ودبي ويديرها أخوه عبد الرحيم، وتقوم بتعدين الذهب وتشحنه مباشرة إلي دبي”.
– الدعم الاماراتي السعودي وخاصة بعد مشاركة قوات حميدتي في حرب اليمن، والذي يبلغ مئات الملايين من الدولارات من الرياض وابو ظبي ( مجلة العربي الجديد، مصدر سابق). حيث تقوم المليشيات بحماية ميناء الحديدة والحدود السعودية مع اليمن. وحسب تصريحات حميدتي فان لديه حاليا نحو 30 ألف مقاتل في اليمن.
– الحصول علي مئات الملايين من الدولارات من أوربا مقابل حراسة الحدود ومنع الهجرة إلي اوربا ( العربي الجديد، مصدر سابق).
كل ذلك زاد من نفوذ حميدتي العسكري والمالي، مما أغراه للمشاركة في انقلاب اللجنة الأمنية، وأصبح له الدور القيادي العسكري والمالي كما يتضح من الاتي:
– قال حميدتي في مؤتمر صحفي نقله التلفويون السوداني وعدد من القنوات المحلية يوم 27 /7 / 2019 ” أمنا حاجات الناس، ودفعنا الديون، وكدعم سريع دافعين مليار و27 مليون دولار للحكومة”، وهذا يقترب من ربع ميزانية السودان الرسمية لعام 2019، والبالغة 4,1 مليار دولار!!، أي أصبح الدعم السريع يدعم الحكومة !!!.
– تسديد رواتب الشرطة لمدة 3 شهور..
– تهديد حميدتي بفصل المضربين أثناء الاضراب العام في 28، 29 /5 / 2019.
– حملت المنظمات العدلية والمحكمة الجنائية المجلس العسكري وقوات الدعم السريع مسؤولية مجزرة الاعتصام، وطالبت بفتح تحقيق حول الحادثة، كما طالبت بتسليم البشير والمطلوبين للجنائية.
– توقيف ضباط الجيش المعارضين.
– تصريح حميدتي بأنه يملك 50 ألف مقاتل، ويجنى ملايين الدولارات من حرب اليمن وجبل عامر.
– سعيه المتواصل لتجنيد أفراد من قبائل جديدة، وكسب الادارة الأهلية في الحملة لدعمه.
– محاولته للتقرب من المواطنين بالدعم بالسلع الغذائية، وقوافل العلاج التي استقطب لها أعضاء من المجلس السيادي، وتوفير احتياجات المدارس وحل مشكلة المواصلات باسم الدعم السريع، وتقديم جوائز لأحسن لاعب في الدوري الممتاز، وكلها مهام تدخل في اختصاصات الوزارات، وكما أشار البعض أن قوات الدعم السريع تحاول خلق دولة داخل الدولة.
– اصبحت قوات الدعم السريع تتمدد بعد تقنين الوثيقة الدستورية لها كما جاء في الفصل الحادى عشر (1) ” القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة، وخاضعة للسلطة السيادية”.
هكذا نجد أنفسنا أمام ظاهرة جديدة في السياسة السودانية، حيث تزايد نفوذ مليشيات ق.د.س الذي اصبح لقيادتها مصالح طبقية، وارتباط بدوائر اقليمية وعالمية ونفوذ عسكري بعد اضعاف نظام البشير للجيش.
يستحيل الحديث عن نجاح الفترة الانتقالية والوصول لأهداف الثورة في ظل وجود المليشيات، وقوات الدعم السريع التي ما عاد هناك مبرر لوجودها في ظل الاتجاه للسلام ووقف الحرب، وما ينتج عنها من ترتيبات امنية تتطلب حلها، وجمع سلاحها في يد القوات المسلحة، وتكوين جيش البلاد القومي.
بالتالي من المهم أن تواصل الحركة الجماهيرية نضالها من أجل قومية القوات النظامية وحل المليشيات التي تشكل خطرا علي الفترة الانتقالية، وعلي وحدة البلاد، كما حدث في انفصال الجنوب، وفي بلدان أخرى بعد تفكيك جيوشها الوطنية ( العراق، ليبيا، اليمن)، وخطورة مليشيات حزب الله في لبنان، الخ، وهذا يتطلب الاتي :
– خروج البلاد من حلف اليمن، وعودة الجنود السودانيين منها، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والسعي لحل مشكلة اليمن سلميا في إطار الأمم المتحدة.
– عودة العسكريين المفصولين للخدمة.
– تضع الدولة يدها علي ثروة الذهب ووقف التعدين المدمر لبيئة باستخدام مادة السيانيد، ووضع بنك السودان يده علي عائدات الذهب، ومصادرة الحكومة لكل الشركات الفاسدة التي تهرب الذهب للخارج باعتباره ثروة قومية، وحق مناطق الانتاج في نصيبها من العائدات في التنمية والتعليم والصحة والخدمات.
– تخفيض ميزانية الأمن والدفاع التي تتجاوز 70 %، ورفع ميزانية التعليم والصحة والتنمية وبقية الخدمات.

3- قضايا الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية (1)

الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية يدور في مختلف الجبهات السياسية والاقتصادية والطبقية والفكرية، الهدف من الفترة الانتقالية تفكيك التمكين والانتقال من الشمولية إلي دولة الوطن التي تسع الجميع، حسب ما أشار الميثاق السياسي الملحق بإعلان الحرية والتغيير : التحول من الشمولية إلي دولة المواطنة وسيادة حكم القانون وتحقيق العدالة، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية اللامركزية، وقومية مؤسسات الدولة، وإعادة هيكلة المؤسسات النظامية ” الجيش، الأمن، الشرطة” بما يضمن قوميتها ومهنيتها وحيادها. والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ووقف الحرب بمخاطبة جذور الأزمة، وحل وتسريح قوات الدفاع الشعبي والدعم السريع وجميع المليشيات ونزع أسلحتها، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واستعادة الأموال المنهوبة، وعلاقات خارجية تقوم علي حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
فما هي أهم قضايا الصراع ومهددات الفترة الانتقالية ؟ :
1 – من قضايا الصراع برزت الدعوة لتقصير الفترة الانتقالية من أربع سنوات إلي سنتين في بيان الفريق ابنعوف في انقلاب 11 أبريل، وبعد إزاحة ابنعوف في بيان البرهان بعد مجزرة فض الاعتصام الذي الغي فيه الاتفاق مع “قوي الحرية والتغيير”، ودعا لانتخابات خلال 9 شهور، وكذلك الاتفاق علي الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري و (قحت) الذي قلص الفترة من أربع سنوات، إلي ثلاث سنوات . بعد توقيع الاتفاق، برزت دعوة الإمام الصادق المهدي لقيام انتخابات مبكرة، في حالة فشل حكومة حمدوك، دون الإشارة إلي إمكانية في حالة الفشل تتم المحاسبة، وتغيير الحكومة بآخري تنفذ مهام الفترة الانتقالية.
كما برزت بعد التوقيع علي” الوثيقة الدستورية” خطورة هيمنة المكون العسكري في تعيين وزيري الداخلية والدفاع، والانفراد بإصلاح الجيش بمعزل عن مجلس الوزراء، وتقنين مليشيات الدعم السريع دستوريا في الوثيقة، واستحواذ السيادي علي مفوضيات مثل : السلام، والدستور والانتخابات.الخ، والإبقاء علي الاتفاقات العسكرية الخارجية مثل الوجود في حلف اليمن ومواصلة إرسال القوات لها في تدخل في شؤونها الداخلية، وفقدان للسيادة الوطنية، والتدخل الخارجي في فرض الاتفاق بين المجلس العسكري و ” وقحت”، بما يضمن سياسة “الهبوط الناعم” الذي يعيد إنتاج النظام السابق وسياساته الاقتصادية والقمعية، والعسكرية وروابطه بالأحلاف العسكرية الخارجية، واستمرار سياسة التمكين بشكل جديد، حيث تنشط الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية في خلق الأزمات في التموين وتهريب الذهب والسلع ورفع االدولار، وممارسة الإرهاب والعنف، كما حدث في جامعة الأزهري، وتصريحات قادة الدفاع الشعبي .الخ، وخلق الفتنة القبلية في الشرق، ودارفور، وتصريحات عبد الحي يوسف وتكفيره لوزيرة الشباب والرياضة، كل ذلك يهدف لزعزعة الاستقرار والتمهيد لانقلاب العسكري، ونسف الفترة الانتقالية.
وبدلا من مواصلة النضال من أجل كامل الحكم المدني الديمقراطي، يواصل بعض قادة ” قحت” مثل : خالد سلك الذي صرح في الجريدة بتاريخ 7 /11 ” المؤسسة العسكرية شريكة في الانتقال وساهمت في نجاح الثورة”، وكذلك تصريح الإمام الصادق المهدي ” لولا الدعم السريع لما سقط البشير” سودان ديلي 5 /11/ 2019، علما بأن انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد هو الذي قطع الطريق أمام وصول الثورة إلي أهدافها، وجاء الاتفاق ليكرس التسوية و”الهبوط الناعم” الذي يحاول إعادة إنتاج النظام البائد بسياساته الاقتصادية والقمعية والاقتصادية واتفاقاته العسكرية الخارجية، وتواصل قوى الثورة نضالها من أجل استكمال مهام الثورة، كما جاء في ميثاق قوى ” الحرية والتغيير”.
هناك خطورة من تكرار تجربة أكتوبر 1964، حينما تآمرت قوى الثورة المضادة ضد حكومة جبهة الهيئات برئاسة سر الختم الخليفة، وبرزت المطالبة بأن تكون لحكومة جبهة الهيئات تفويضا شعبيا، وإجراء انتخابات مبكرة، رغم أن الفترة الانتقالية كانت ستة شهور !!. بعد ذلك جاء هجوم المليشيات المسلحة الذي أطلق عليه عبد الخالق محجوب ” عنف البادية” علي مقر سلطة أكتوبر بالخرطوم، أدي ذلك لاستقالة حكومة سر الختم الخليفة، وتكونت حكومة جديدة نال علي اثرها كل حزب 3 مناديب، ما عدا الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين نالا مندوبين لكل منهما، وبعد إجراء الانتخابات جاءت حكومة جديدة .
تم الضيق بالحزب الشيوعي، ب”فبركة” مؤامرة معهد المعلمين العالي، وهجوم مليشيات الانصار والإخوان المسلمين المسلحة علي دور الحزب الشيوعي، وتمّ حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، رغم حكم المحكمة الدستورية الذي رفض الحل باعتباره غير دستوري، إلا أن الصادق المهدي رفض تنفيذ الحكم، ووصفه بأنه ( تقريري). وليس حكما ملزما وواجب التنفيذ، وسار في طريق ديكتاتورية مدنية باسم الإسلام، مما زاد حرب الجنوب اشتعالا، وتمت محكمة الردة للأستاذ محمود محمد طه عام 1968، والهجوم المسلح علي معرض الفنون الشعبية في جامعة الخرطوم من الإخوان المسلمين في العام نفسه، مما قوض الديمقراطية، وأدي ذلك لانقلاب 25 مايو 1969 م.
2- التوجه الخارجي والاعتماد فقط علي المنح والقروض.
هذه أيضا قضية صراع طبقي واجتماعي يؤثر مباشرة علي شعب السودان وأوضاعه المعيشية والاقتصادية، ويؤدي لنسف الفترة الانتقالية، كما يحدد الطريق للتنمية :
– هل تنمية تابعة تعيد إنتاج الفقر ونهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج والتحرير الاقتصادي الذي قاد لرفع الدعم عن السلع والتخفيض المستمر للجنية السوداني والذي سرنا عليه منذ العام 1978، مما أدي لانتفاضة أبريل 1985 وثورة ديسمبر 2018 .
– أم تنمية مستقلة تتوجه للداخل دون الانعزال عن العالم، ولتلبية وإشباع احتياجات الإنسان السوداني في تحسين أوضاعه المعيشية والتعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء والبيئة وغيرها، وتتوجه لاستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة للإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني والخدمي.
معلوم أن سياسات الليبرالية الجديدة أو (مدرسة فريدمان مان) تشجع الاقتصاد الحر وحرية السوق، وتعزز سياسة البنك والصندوق الدوليين لتنفيذ سياسة التكيف الهيكلي الذي يقوم علي تصفية القطاع العام وتشريد العاملين والذي كانت نتائجه كارثية علي العالم كما في الأزمة الاقتصادية والمالية عام 2008،و علي السودان بصورة أعمق بعد انقلاب الاسلامويين الذي استمر لمدة ثلاثين عاما، ونفذ سياسة التحرير الاقتصادي بشكل وحشي دمر اقتصاد البلاد وأفقر جماهير شعبنا، وعلي معظم الدول مما أدي لانفجار ثوراتها في الشرق الأوسط ” العراق، لبنان، الخ”،وافريقيا ” غينيا، الخ”، وأمريكا اللاتينية ” شيلي، الأكوادور،. الخ” والاوربية ” فرنسا ثورة السترات الصفراء”. الخ.
هذه المدرسة تتناول الاقتصاد القياسي بمعزل عن العوامل الاجتماعية والثقافية واحتياجات الجماهير الأساسية. وتنفيذ سياسة الصندوق والبنك الدوليين في تبني سعر الصرف المرن، ورفع الدعم العيني واستبداله بالدعم النقدي ( كما في مقترحات وزير المالية إبراهيم البدوى)، وقروض مشروطة علي حساب الطبقات الكادحة، وتخفيض العملة، وتحرير سعر الصرف، والخصخصة وتحرير التجارة الخارجية، وفتح باب الاستثمار علي مصراعية وتسهيل التحويلات للخارج، ودمج الاقتصادي الوطني بالنظام الرأسمالي العالمي في تبادل غير متكافئ يعيد انتاج الفقر باستمرار، ونهب موارد البلاد، واشتداد التبعية والتدخل في الشؤون الداخلية وفقدان السيادة الوطنية، بعد أن تكون البلاد مثقلة بديون تتزايد فوائدها باستمرار دون قدرة علي التسديد، كما في حالة البلاد الراهنة حيث بلغت الديون 62 مليار دولار، في حين أن اصل الدين 18 دولار والباقي فوائد !!.
واضح أن سياسة رئيس الوزراء حمدوك ووزير المالية إبراهيم البدوى في لقاءات ” شاتم هاوس” قبل الثورة، ولقاء الخرطوم في أكتوبر 2019، تسير في هذا التوجه، حيث تم التوافق علي روشتة صندوق النقد الدولي والتوجه الخارجي، كما في حالة طلب حمدوك قرض 8 مليار دولار من البنك الدولي دون تحديد علي أي اسس تم تحديد هذا القرض؟!، وكذلك طلب وزير المالية قرض 2 مليار دولار، دون التوجه لاسترداد الأموال المنهوبة، ثم بعد ذلك اذا كانت هناك حاجة، نطلب المساعدات والقروض غير المشروطة لتنفيذ خطط محددة مدروسة، وتاهيل المشاريع الانتاجية والصناعية، ودعم الصادر وتقوية موقف الجنية السوداني، أما الطريق الحالي لوزير المالية يزيد اعباء الديون ويعمق الأزمة والتخلف والفقر، وعدم السيطرة علي السوق، والارتفاع المستمر في سعر الدلار، مما يزيد تدهور الأوضاع المعيشية.
واضح تمكن الرأسمالية الطفيلية من السيطرة علي السوق، حتى أن وزير المالية اتهم الخميس 7 نوفمبر الماضي عناصر الثورة المضادة بالتسبب في ارتفاع أسعار الدولار والعملات الأجنبية عبر زيادة الطلب علي مشتروات الدولار والعملة الأجنبية.
الاستمرار في سياسة التوجه الخارجي قضية صراع سياسي وطبقي واجتماعي وفكري، ومهدد خطير للفترة الانتقالية، وتعيد إنتاج السياسات الاقتصادية التي عمقت الفقر وتدهور الانتاج الصناعي والزراعي والخدمي والانخفاض المستمر لقيمة الجنية والارتفاع المستمر في الأسعار، مما يؤدي لاستياء الجماهير، وفتح الطريق لقوى الثورة المضادة لنسف الفترة الانتقالية، بما في ذلك الانقلاب العسكري.

4- الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية(2)

السيادة الوطنية

3 – نضال الشعب السوداني من أجل السيادة الوطنية وحرية واستقلال السودان معروف منذ الثورة المهدية التي حررت البلاد من الاحتلال التركي في 1885، وثورة الاستقلال في 1956 التي حررت البلاد من الاحتلال البريطاني، وجاء استقلال السودان بعيدا عن أي أحلاف عسكرية، رغم ظروف الحرب الباردة التي كانت تعج بالاحلاف العسكرية مثل : حلف وارسو، وحلف الاطلنطي، وامتدادتهما الاقليمية مثل : حلف بغداد ” السنتو” الذي تكون عام 1955 من باكستان، تركيا، العراق، المملكة المتحدة، وأمريكا التي كانت صاحبة الفكرة، وكان الهدف منه حماية الأنظمة الحاكمة ضد تطلعات ورغبات شعوبها، والذي اندثر وذهبت ريحه بفضل نضال شعوب المنطقة.
كما رفض شعبنا المعونة الأمريكية المشروطة في فترة الديمقراطية الأولي، وقاوم انقلاب عبود الذي فرط في السيادة الوطنية حتى قامت ثورة أكتوبر 1964، وبعد انقلاب 25 مايو 1969، قاوم شعبنا ميثاق طرابلس بين مصر والسودان وليبيا، والذي تدخل في شؤون البلاد الداخلية كما في ضرب الطائرات المصرية والليبية للمواطنين العزل في الجزيرة أبا 1970، وانزال القذافي لطائرة بابكر النور وفاروق حمدالله واعقالهما ليسلمهما للسفاح نميري في يوليو 1971، ليقوم بجريمة أعدامها مع أبطال 19 يوليو 1971، وبعد ذلك اتفاقية الدفاع المشترك، ومشاركة نظام النميري في مناورات قوات النجم الساطع بقيادة امريكا، وتحويل السودان لمركز للاستخبارات الأمريكية في أفريقيا، وترحيل اليهود الفلاشا من السودان لاسرائيل، وقاوم شعبنا نظام النميري حتى تمت الاطاحة به في انتفاضة مارس- أبريل 1985.
بعد انقلاب الاسلامويين في يونيو 1989، رفض شعبنا الانقلاب وتفريطه في السيادة الوطنية، وتدخله الارهابي في شؤون الدول الأخري، ومسؤوليته في احتلال حلايب وشلاتين من قبل النظام المصري، والفشقة من النظام الاثيوبي، ودوره في فصل الجنوب بعد اتفاقية نيفاشا، واشعال نيران الحرب في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، مما ادي للتدخل الكثيف في الشؤون الداخلية للبلاد، وتفكيك الجيش السوداني، وقيام مليشيات ” الجنجويد”، وكان من نتائج ذلك ابادة 300 ألف مواطن في دارفور وتشريد 3 مليون مواطن، وقرار محكمة الجنايات الدولية بتسليم البشير والمطلوبين للجنائية الدولية.
رفض شعبنا قرار نظام البشير في مارس 2015 بمشاركة السودان في الحلف العربي – الإسلامي لحرب اليمن بقيادة محورالسعودية والإمارات ومصر، وقرار ارسال مرتزقة سودانيين للمشاركة في حرب اليمن، علما بأن السودانيين كانوا يرسلون معلمين لنشر العلم والمعرفة في اليمن!!، وبدل من رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخري، والمطالبة بحل المشكلة سلميا في اطار الأمم المتحدة، زج البشير بقواتنا في محرقة الحرب في اليمن، في حرب لا ناقة ولا جمل فيها لشعب السودان.
كما فرط البشير في السيادة الوطنية وفتح ابواب البلاد علي مصراعيها للنشاط الارهابي، كما في انشاء المؤتمر الشعبي الاسلامي في تسعينيات القرن الماضي الذي جمع كل صنوف الارهابيين المتعددي الجنسيات مثل : بن لادن، وكارلوس، وغيرهم من الارهابيين المصريين والليبيين، والفلسطنيين، والأفارقة ومنظماتهم ” بوكو حرام، الشباب الصومالي . الخ”ل، وتفريخ جامعة افريقيا لهم وارسالهم للبلدان الافريقية.
وتمّ فتح البلاد للشركات ولرجال الأعمال الفاسدين من الاسلامويين وغيرهم، الذين نهبوا ثروات البلاد من عائدات الذهب والبترول التي تقدر بمليارات الدولارات وتهريبها خارج السودان، وتدمير الغطاء النباتي بالقطع الجائر للاشجار، والصيد البري الجائر، وفتح الباب للاستثمارات السعودية والإماراتية. الخ للاستثمار المجحف، وضد أصحاب المصلحة من المزارعين والرعاة السودانيين، وبعقود ايجار يصل بعضها لملايين الأفدنة لفترات زمنية تصل إلي 99 عاما!!، وتم تقدير الاستثمارات السعودية والاماراتية بعشرات مليارات الدولارات لإنتاج القمح والبرسيم وبقية الحبوب وتصديرها للاستهلاك المحلي في تلك الدول، في استنزاف للمياه الجوفية، وعدم تخصيص جزء من العائد لتنمية مناطق الانتاج، وتشغيل العمالة المحلية، وتوفير خدمات التعليم والصحة والمياه والكهرباء والبنيات التحتية.
كل ذلك في تفريط بشع وفاسد من نظام المؤتمر الوطني ورموزه، إضافة لاطماع الإمارات في الموانئ السودانية، حيث احبط عمال الشحن والتفريغ مؤامرة تأجير الميناء الجنوبي، حتى تم الغاؤها، كما تم ابعاد الاتراك عن ميناء سواكن.
كان من المفترض بعد نجاح ثورة ديسمبر 2018 إلغاء كل تلك الاتفاقات التي فرطت في السيادة الوطنية، ولكن التسوية أو ” الهبوط الناعم ” في الاتفاق الذي حدث بضغط ابوظبي والرياض والقاهرة وأمريكا والاتحاد الاوربي.الخ، أدي الي التفريط في السيادة الوطنية، كما في الفصل الأول من الوثيقة الدستورية التي تمّ التوقيع عليها نصت علي الزامية المراسيم التي أصدرها المجلس العسكري منذ 11 أبريل 2019 حتى يوم التوقيع علي الوثيقة، ومن ضمن هذه المراسيم ذلك الذي أصدره المجلس العسكري باستمرار مشاركة السودان بحرب اليمن.
بالتالي ابقي المجلس العسكري علي اتفاقات السودان العسكرية واستمراره في محور الإمارات – السعودية – مصر”، والحلف العربي الإسلامي لحرب اليمن، واستمرار التدخل في شؤونها الداخلية، ودخول السودان طرفا ضد ايران، مما يفقد البلاد استقلالها وسيادتها الوطنية، واستمرار وجود السودان ايضا في القوات العسكرية الأفريقية ” الآفرو- كوم”، والقواعد العسكرية والتعاون الاستخباراتي والأمني لمصلحة أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، هذا اضافة للابقاء علي القوانين المقيدة للحريات وقانون الأمن، وقوات الدعم السريع، وبقية المليشيات التنظيمات الارهابية، وهيمنة المجلس العسكري في الاتفاق ليضمن استمرار مصالح تلك الدول التي ضغطت لتوقيع الاتفاق، بهدف قطع الطريق أمام ثورة شعب السودان والتحول الديمقراطي فيه، والذي يؤثر علي مصالح تلك القوى في المنطقة، إضافة لضمان استمرار نهب موارد البلاد وأراضيه الزراعية، ونهب الذهب والسيطرة علي عائداته خارج وزارة المالية.
بالتالي، لا يمكن الحديث عن نجاح الفترة الانتقالية دون مواصلة الصراع من أجل السيادة الوطنية، وتحقيق شعار : قيام علاقات خارجية متوازنة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام المواثيق الدولية.
المطالبة بالخروج من حلف اليمن يتمشى مع المواثيق الدولية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاع سلميا، كما ان رفض سياسة المحاور، لا تعني الاساءة للسعودية والإمارات ومصر، كما صور لنا بعض الكتاب والصحفيين، ولا يعني العداء السافر لتلك البلدان، وعدم تبادل المصالح،بل يعزز التعاون علي أساس الاحترام، ومحاربة الارهاب، والمنفعة المتبادلة. بدلا عن التبعية والدونية، والتفريط في موارد وموانئ واراضي البلاد. ووقف الحرب وتحقيق السلام العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة.
كما لا يعني ذلك افشال الحكومة الانتقالية والدعوة لاسقاطها كما يحاول أن يصور بعض الكتاب، فشل الفترة الانتقالية يأتي من مدخل عدم تنفيذ ميثاق الحرية والتغيير، وعدم وجود خطة واضحة من الحكومة بأسبقيات محددة، علي رأسها تحسين الأوضاع المعيشية، واستعادة اموال الشعب المنهوبة، وتصفية الارهاب والتمكين، مما يساعد في تحسين صورة السودان فعلا لاقولا، وخلق المناخ الصالح للاستثمار لمصلحة شعب السودان، واستثمار جزء من العائد داخل البلاد، بدلا من تهريبه كله للخارج.
كما أن فشل الفترة الانتقالية يأتي من عدم الشفافية، وعدم نقد الأخطاء وتصويبها، حتى لا تتراكم، مما يؤدي لنسفها بواسطة قوى الثورة المضادة التي تنشط هذه الأيام.
كما يأتي من غياب وجود الجماهير في الشارع والذي يجب أن يكون في اعلى قممه بمناسبة الذكري الأولي لثورة ديسمبر لتصحيح مسار الثورة والتوجه لتحقيق أهدافها، والنشاط المستقل والديمقراطي والدور الرقابي للجان المقاومة في الأحياء ومجالات العمل والدراسة، وتكوين النقابات وإلغاء قانون نقابة المنشأة، وعقد الجمعيات العمومية لسحب الثقة من فلول النظام النقابية الفاسدة، وتكوين اللجان التمهيدية، وابعاد كل الفاسدين من جهاز الدولة والإعلام. وانتزاع السيادة الوطنية ورفض الأحلاف العسكرية والاستخباراتيةالتي تهدد وحدة وسيادة البلاد

5- لماذا السير في الطريق الذي قاد للأزمة والثورة؟!!!

يبدو أن سياسة وزير المالية ابراهيم البدوى تهدف للسير في الطريق الذي قاد للأزمة، من خلال التوجه الخارجي بالتعويل علي العون الخارجي من الإمارات والسعودية والمزيد من القروض من البنك الدولي ( طلب دعم 2 مليار دولار من البنك الدولي، إضافة للمنحة الإماراتية السعودية 3 مليار دولار)، وشروط صندوق النقد للتمويل، رغم تصريح البدوى انه لن يرفع الدعم حاليا عن السلع، ولكن سوف يتم رفعه لاحقا، وتبني سعر الصرف المرن، ورفع الدعم العيني، واستبداله بالدعم النقدي ( 300 جنية لكل مواطن، غير معروف علي أي أساس تمّ تقديرها، علما بأنها لا تكفي حتى مواصلات فقط !!).
معلوم أن قروض صندوق النقد الدولي مشروطة علي حساب الكادحين، وبتخفيض العملة، وتحرير سوق الصرف، والخصخصة وتشريد العاملين، وتحرير التجارة الخارجية، وفتح الباب للاستثمار الأجنبي، وتسهيل تحويل الأرباح، ودمج السودان بالنظام الرأسمالي العالمي في تبادل غير متكافئ يكرّس المزيد من التبعية واثراء القلة علي حساب افقارالملايين من الكادحين. وهذه السياسه تقودنا للطريق الذي سارت عليه طغمة ( الانقاذ)، وكانت النتيجة المزيد من تعميق الأزمة، مما أدي لثورة ديسمبر التي ما نزال جذوتها متقدة، ومستمرة حتى تحقيق أهدافها.
أكدت تجربتنا بعد الاستقلال أنه لا خير في تنمية لا تراعي واقع وخصائص السودان واحتياجاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتستهدف تلبية احتياجات الانسان السوداني الأساسية في: تحسين المعيشة وتركيز الأسعار ورفع الأجور، وتخفيض الضرائب، والتعليم والصحة وبقية الخدمات وتطويره من كل الجوانب، والتوجه الداخلي بدلا من التنمية التابعة والدائرة في فلك الرأسمالية العالمية التي جربها شعبنا لأكثر من 60 عاما بعد الاستقلال، وكانت النتيجة الفشل والعجز عن انتشال الانسان السوداني من وهدة التخلف، والفقر والحروب والقمع، والاعتماد علي العون الخارجي بدلا من الإنتاج الزراعي والحيواني والخدمي،، وتنمية فئات رأسمالية محددة علي حساب الأغلبية الساحقة من الفقراء والكادحين. وديون خارجية بلغت أكثر من 62 مليار دولار( حسب تصريح وزير المالية)،في حين أن أصل الدين 18 مليار دولار والباقي تراكم للفوائد !!..
لقد عمّق نظام (الانقاذ) التخلف، وسار في طريق التنمية الرأسمالية بشكل وحشي ودموي، رغم رفع شعارات الاسلام، الا أنه نفذ سياسة البنك والصندوق الدوليين والليبرالية الاقتصادية فتم : تحرير الاقتصاد والأسعار، واقتصاد السوق، والخصخصة وتشريد العاملين، وتصفية حتى مؤسسات القطاع العام الرابحة!!،، والتخفيض المستمر للجنية السوداني. الخ وكانت النتيجة :
– تزايد الفقر ليشمل 95 % من السكان، إضافة للبطالة وتشريد الآلاف من العاملين .
– تدهو الأجور والأوضاع المعيشية .
– العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
– تدهور قيمة الجنية السوداني وتفاقم التضخم والغلاء، ورفع الدعم عن التعليم والصحة وفرض الرسوم المباشرة وغير المباشرة..
– تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي، وتفاقم النشاط الرأسمالي الطفيلي والفساد.
– تبديد الفائض الاقتصادي في الصرف البذخي، والصرف الضخم علي جهاز الدولة، وزيادة ميزانية الأمن والدفاع لتصل 76 %، وتهريب عائدات البترول والذهب والأموال للخارج .
– التفريط في السيادة الوطنية الذي فتح الباب للاستثمار الأجنبي الضار بمصالح البلاد، وتخصيص أراضي واسعة لهم تصل لملايين الأفدنة، ولفترات زمنية تصل إلي 99 عاما !!، مما أضر بأصحاب المصلحة من الرعاة والمزارعين، مما يتطلب إعادة النظر فيها.
بدلا من هذه السياسة التي قادت للأزمة مهم التوجه للداخل أولا، أو الهجرة للداخل كما يقول القطب الصوفي ابو يزيد البسطامي، ففيها الشفاء والحل، أي التوجه لاستعادة ممتلكات الدولة والأموال المنهوبة، ومصادرة أصول المؤتمر الوطني، ووضع الدولة يدها علي عائدات الذهب وشركات الذهب والبترول، ولجم النشاط الطفيلي وسيطرته علي البنوك، ووقف تهريب الذهب والدقيق والوقود.الخ، وتقليص الصرف علي الأمن والدفاع والشرطة والقطاع السيادي الذي استحوذ علي 88 % من تقديرات الانفاق في موازنة 2018، في حين بلغت تقديرات الانفاق علي الصحة والتعليم والزراعة والصناعة مجتمعة 5,2 % !!!!، إضافة لوقف الحرب وتحويل عائدها للتنمية والتعليم والصحة .الخ. بعد وضع كل ذلك العائد الضخم في يد المالية والدولة، نبحث عما اذا كنا نحتاج لعون خارجي غير مشروط. إ ضافة لتأهيل المشاريع الزراعية والحيوانية والصناعية التي توقفت، وإعادة تأهيل قطاع النقل ” سكة حديد، نقل نهري ن الخطوط البحرية، الخطوط الجوية، الخ”. فضلا عن ضرورة ضم كل الشركات التابعة للجيش والدعم السريع، وقطاع الاتصالات للمالية،
لا يمكن نجاح الفترة الانتقالية، والوصول إلي أهداف الثورة، في ظل السير في الطريق القديم الذي قاد للأزمة والاعتماد علي الخارج والمنح والقروض التي تتزايد أعباؤها، بل يجب الخروج من هذا المسار، فلا توجد دولة في العالم تحترم نفسها تعتمد علي الهبات والقروض وتضطر لتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي الذي يعني المزيد من الافقار والتبعية والتفكك كما حدث في فصل جنوب السودان، ولا سيما في بلد كالسودان غني بموارده .
فما هو البديل؟
– البديل هو السير في طريق التنمية المستقلة التي لا تعتمد فقط علي القروض والهبات، دون الانغلاق عن العالم.
– النوجه الداخلي للتنمية الذي يفجر الفائض الاقتصادي لمصلحة شعب السودان وتوفير الغذاء واحتياجاته الأساسية من تعليم وصحة وخدمات وتنمية متوازنة بين كل أقاليمه.
– التخطيط والتقليل من استيراد السلع الكمالية، وتوسيع التعليم المهني اللازم للتنمية، ووقف تهريب الذهب والأموال والسلع النادرة والآثار.
– أن تكون المساعدات الخارجية مندمجة في خطة التنمية، وأن تكون القروض قليلة الفائدة، وعدم الاعتماد فقط علي الهبات والمعونات الضارة بالبلاد.
– السيادة الوطنية، وعدم الدخول في المحاور، والمنفعة المتبادلة مع كل دول العالم، وخروج البلاد من محور حرب اليمن وسحب قواتنا منها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتصفية كل خلايا الارهاب من كل مفاصل الدولة التي زرعها نظام الانقاذ الارهابي، وتصفية المليشيات ” الدعم السريع، الوحدات الجهادية الطلابية، الدفاع الشعبي، كنائب الظل، وإلغاء قانون الأمن ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وبذلك نضمن فعلا لا قولا خلو البلاد من الارهاب الذي يهدد شعب السودان والدول المجاورة، ورفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، لضمان استقرار الاستثمار في السودان، وتقديم المساعدات اللازمة.
-عودة أراضي البلاد المحتلة ” حلايب – شلاتين – الفشقة”، واستقلال مركز القرار الذي يجب أن يكون من الداخل، ويلبي احتياجات البلاد، لا مصالح الخارج فقط.
ترسيخ الديمقراطية والتعددية وتفكيك الشمولية ودولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة، مما يرسخ السلام والحل الشامل والعادل في مناطق النزاع والحروب.
واخيرا، بدلا من الحديث العام عن دعم الفترة الانتقالية، يجب اتخاذ تلك الخطوات المهمة لنجاحها، بهدف الوصول للسلام الشامل والعادل ووقف الحرب، وعقد المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية ليقرر شكل الحكم في البلاد ن واقرار دستور ديمقراطي بمشاركة الجميع، وقانون انتخابات ديمقراطي، ولجنة انتخابات مستقلة ومحايدة لضمان انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.


قضايا الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية (1)

بقلم : تاج السر عثمان

الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية يدور في مختلف الجبهات السياسية والاقتصادية والطبقية والفكرية ، الهدف من الفترة الانتقالية تفكيك التمكين والانتقال من الشمولية الي دولة الوطن التي تسع الجميع، حسب ما أشار الميثاق السياسي الملحق باعلان الحرية والتغيير :

التحول من الشمولية إلي دولة المواطنة وسيادة حكم القانون وتحقيق العدالة، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية اللامركزية، وقومية مؤسسات الدولة، وإعادة هيكلة المؤسسات النظامية ” الجيش، الأمن، الشرطة” بما يضمن قوميتها ومهنيتها وحيادها. والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ووقف الحرب بمخاطبة جذور الأزمة ، وحل وتسريح قوات الدفاع الشعبي والدعم السريع وجميع المليشيات ونزع اسلحتها، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واستعادة الأموال المنهوبة، وعلاقات خارجية تقوم علي حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

فما هي أهم قضايا الصراع ومهددات الفترة الانتقالية ؟ :
1 – من قضايا الصراع برزت الدعوة لتقصير الفترة الانتقالية من أربع سنوات إلي سنتين في بيان الفريق ابنعوف في انقلاب 11 أبريل ، وبعد إزاحة ابنعوف في بيان البرهان بعد مجزرة فض الاعتصام الذي الغي فيه الاتفاق مع “قوي الحرية والتغيير” ، ودعا لانتخابات خلال 9 شهور، وكذلك الاتفاق علي الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري و (قحت) الذي قلص الفترة من اربع سنوات، إلي ثلاث سنوات. بعد توقيع الاتفاق، برزت دعوة الامام الصادق المهدي لقيام انتخابات مبكرة، في حالة فشل حكومة حمدوك، دون الاشارة الي إمكانية في حالة الفشل تتم المحاسبة ، وتغيير الحكومة باخري تنفذ مهام الفترة الانتقالية.
كما برزت بعد التوقيع علي” الوثيقة الدستورية” خطورة هيمنة المكون العسكري في تعيين وزيري الداخلية والدفاع، والانفراد بإصلاح الجيش بمعزل عن مجلس الوزراء، وتقنين مليشيات الدعم السريع دستوريا في الوثيقة، واستحواذ السيادي علي مفوضيات مثل : السلام، والدستور والانتخابات… الخ، والابقاء علي الاتفاقات العسكرية الخارجية مثل الوجود في حلف اليمن ومواصلة ارسال القوات لها في تدخل في شؤونها الداخلية، وفقدان للسيادة الوطنية، والتدخل الخارجي في فرض الاتفاق بين المجلس العسكري و” وقحت”، بما يضمن سياسة “الهبوط الناعم” الذي يعيد إنتاج النظام السابق وسياساته الاقتصادية والقمعية، والعسكرية وروابطه بالأحلاف العسكرية الخارجية ، واستمرار سياسة التمكين بشكل جديد، حيث تنشط الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية في خلق الأزمات في التموين وتهريب الذهب والسلع ورفع الدولار، وممارسة الارهاب والعنف، كما حدث في جامعة الأزهري، وتصريحات قادة الدفاع الشعبي .الخ، وخلق الفتنة القبلية في الشرق، ودارفور، وتصريحات عبد الحي يوسف وتكفيره لوزيرة الشباب والرياضة، كل ذلك يهدف لزعزعة الاستقرار والتمهيد لانقلاب العسكري، ونسف الفترة الانتقالية.
وبدلا من مواصلة النضال من أجل كامل الحكم المدني الديمقراطي، يواصل بعض قادة ” قحت” مثل : خالد سلك الذي صرح في الجريدة بتاريخ 7 /11 ” المؤسسة العسكرية شريكة في الانتقال وساهمت في نجاح الثورة”، وكذلك تصريح الامام الصادق المهدي ” لولا الدعم السريع لما سقط البشير” سودان ديلي 5 /11/ 2019، علما بأن انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد هو الذي قطع الطريق أمام وصول الثورة الي أهدافها، وجاء الاتفاق ليكرس التسوية و”الهبوط الناعم” الذي يحاول إعادة إنتاج النظام البائد بسياساته الاقتصادية والقمعية والاقتصادية واتفاقاته العسكرية الخارجية، وتواصل قوى الثورة نضالها من أجل استكمال مهام الثورة ، كما جاء في ميثاق قوى ” الحرية والتغيير”.
هناك خطورة من تكرار تجربة أكتوبر 1964، حينما تآمرت قوى الثورة المضادة ضد حكومة جبهة الهيئات برئاسة سرالختم الخليفة، وبرزت المطالبة بأن تكون لحكومة جبهة الهيئات تفويضا شعبيا، واجراء انتخابات مبكرة، رغم أن الفترة الانتقالية كانت ستة شهور !!. بعد ذلك جاء هجوم المليشيات المسلحة الذي اطلق عليه عبد الخالق محجوب ” عنف البادية” علي مقر سلطة أكتوبر بالخرطوم، أدي ذلك لاستقالة حكومة سرالختم الخليفة، وتكونت حكومة جديدة نال علي اثرها كل حزب 3 مناديب، ما عدا الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين نالا مندوبين لكل منهما، وبعد اجراء الانتخابات جاءت حكومة جديدة .
تم الضيق بالحزب الشيوعي، بـ”فبركة” مؤامرة معهد المعلمين العالي، وهجوم مليشيات الانصار والإخوان المسلمين المسلحة علي دور الحزب الشيوعي، وتمّ حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، رغم حكم المحكمة الدستورية الذي رفض الحل باعتباره غير دستوري، الا أن الصادق المهدي رفض تنفيذ الحكم ، ووصفه بانه ( تقريري). وليس حكما ملزما وواجب التنفيذ، وسار في طريق ديكتاتورية مدنية باسم الاسلام، مما زاد حرب الجنوب اشتعالا، وتمت محكمة الردة للأستاذ محمود محمد طه عام 1968، والهجوم المسلح علي معرض الفنون الشعبية في جامعة الخرطوم من الإخوان المسلمين في العام نفسه، مما قوض الديمقراطية، وأدي ذلك لانقلاب 25 مايو 1969 م.
2 – التوجه الخارجي والاعتماد فقط علي المنح والقروض.
هذه ايضا قضية صراع طبقي واجتماعي يؤثر مباشرة علي شعب السودان وأوضاعه المعيشية والاقتصادية ، ويؤدي لنسف الفترة الانتقالية، كما يحدد الطريق للتنمية :
– هل تنمية تابعة تعيد إنتاج الفقر ونهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج والتحرير الاقتصادي الذي قاد لرفع الدعم عن السلع والتخفيض المستمر للجنية السوداني والذي سرنا عليه منذ العام 1978 ، مما أدي لانتفاضة مارس- أبريل 1985، ولانفجار الحركة الجماهيرية وثورة ديسمبر 2018 .
– أم تنمية مستقلة تتوجه للداخل دون الانعزال عن العالم، ولتلبية واشباع احتياجات الانسان السوداني في تحسين أوضاعه المعيشية والتعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء والبيئة وغيرها ، وتتوجه لاستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة للإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني والخدمي.
معلوم أن سياسات الليبرالية الجديدة أو (مدرسة فريدمان مان) تشجع الاقتصاد الحر وحرية السوق ، وتعزز سياسة البنك والصندوق الدوليين لتنفيذ سياسة التكيف الهيكلي الذي يقوم علي تصفية القطاع العام وتشريد العاملين والذي كانت نتائجه كارثية علي العالم كما في الأزمة الاقتصادية والمالية عام 2008 ،و علي السودان بصورة أعمق بعد انقلاب الاسلامويين الذي استمر لمدة ثلاثين عاما، ونفذ سياسة التحرير الاقتصادي بشكل وحشي دمر اقتصاد البلاد وافقر جماهير شعبنا، وعلي معظم الدول مما أدي لانفجار ثوراتها في الشرق الأوسط ” العراق، لبنان، الخ” ،وافريقيا ” غينيا ، الخ”، وأمريكا اللاتينية ” شيلي، الأكوادور،. الخ” والاوربية ” فرنسا ثورة السترات الصفراء”. الخ.
هذه المدرسة تتناول الاقتصاد القياسي بمعزل عن العوامل الاجتماعية والثقافية واحتياجات الجماهير الأساسية. وتنفيذ سياسة الصندوق والبنك الدوليين في تبني سعر الصرف المرن، ورفع الدعم العيني واستبداله بالدعم النقدي ( كما في مقترحات وزير المالية إبراهيم البدوى)، وقروض مشروطة علي حساب الطبقات الكادحة ، وتخفيض العملة ، وتحرير سعر الصرف، والخصخصة وتحرير التجارة الخارجية، وفتح باب الاستثمار علي مصراعيه وتسهيل التحويلات للخارج، ودمج الاقتصادي الوطني بالنظام الرأسمالي العالمي في تبادل غير متكافئ يعيد انتاج الفقر باستمرار ، ونهب موارد البلاد ، واشتداد التبعية والتدخل في الشؤون الداخلية وفقدان السيادة الوطنية، بعد أن تكون البلاد مثقلة بديون تتزايد فوائدها باستمرار دون قدرة علي التسديد، كما في حالة البلاد الراهنة حيث بلغت الديون 62 مليار دولار، في حين أن اصل الدين 18 دولار والباقي فوائد !!.
واضح أن سياسة رئيس الوزراء حمدوك ووزير المالية إبراهيم البدوى في لقاءات ” شاتم هاوس” قبل الثورة ، ولقاء الخرطوم في أكتوبر 2019، تسير في هذا التوجه، حيث تم التوافق علي روشته صندوق النقد الدولي والتوجه الخارجي ، كما في حالة طلب حمدوك قرض 8 مليار دولار من البنك الدولي دون تحديد علي أي اسس تم تحديد هذا القرض؟! ، وكذلك طلب وزير المالية قرض 2 مليار دولار ، دون التوجه لاسترداد الأموال المنهوبة، ثم بعد ذلك اذا كانت هناك حاجة، نطلب المساعدات والقروض غير المشروطة لتنفيذ خطط محددة مدروسة، وتأهيل المشاريع الانتاجية والصناعية، ودعم الصادر وتقوية موقف الجنية السوداني، أما الطريق الحالي لوزير المالية يزيد اعباء الديون ويعمق الأزمة والتخلف والفقر، وعدم السيطرة علي السوق، والارتفاع المستمر في سعر الدولار، مما يزيد تدهور الأوضاع المعيشية.
واضح تمكن الرأسمالية الطفيلية من السيطرة علي السوق، حتى أن وزير المالية اتهم الخميس 7 نوفمبر الماضي عناصر الثورة المضادة بالتسبب في ارتفاع أسعار الدولار والعملات الأجنبية عبر زيادة الطلب علي مشتريات الدولار والعملة الأجنبية.
الاستمرار في سياسة التوجه الخارجي قضية صراع سياسي وطبقي واجتماعي وفكري، ومهدد خطير للفترة الانتقالية ، وتعيد إنتاج السياسات الاقتصادية التي عمقت الفقر وتدهور الانتاج الصناعي والزراعي والخدمي والانخفاض المستمر لقيمة الجنية والارتفاع المستمر في الأسعار، مما يؤدي لاستياء الجماهير، وفتح الطريق لقوى الثورة المضادة لنسف الفترة الانتقالية، بما في ذلك الانقلاب العسكري.