أزمة نظام التبعية في بعديها الاجتماعي والمجالي الجهوي
أزمة نظام التبعية في بعديها الاجتماعي والمجالي الجهوي
انتهت سنة 2019 بنتائج تزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لغالبية جماهير شعبنا. وهاهي سنة 2020 تطل بمعطيات المزيد من التقشف والتفقير وانحباس الاستثمار وخلق موارد العيش وخاصة التشغيل المنتج والقار. كل المؤشرات الاجتماعية الداخلية تبرز هذه الحالة المتردية. عند النظر الى قضية الشغل فان قانون المالية المعتمد لسنة 2020 لا يتضمن اية إفادات تسمح بانتظار التقليل من هول البطالة التي تضرب حاملي الشواهد العليا ومختلف الكفاءات الشبابية، اللهم بعض المناصب التي لا تسمح حتى بتعويض المتقاعدين اوالمغادرين لشغلهم لسبب ما. اما فقدان الشغل بسب افلاس الشركات والمؤسسات وبسبب الهشاشة، فهو امر بات يتفاقم سنة بعد سنة؛ الى جانب البطالة هناك الغلاء بسبب تردي الاجور وهزالتها وبسبب المضاربات والإجهاز على صندوق المقاصة، يضاف الى كل ذلك تردي الخدمات الاجتماعية في مجال الصحة والعلاج وفي مجال التعليم والعمومي. ففي هذين المجالين الاخيرين انضافت مصاريف اثقلت كاهل الاسر لان الدولة استقالت من التزاماتها وواجباتها الاجتماعية والسياسية.
هذه الشروط الملموسة المادية هي التي تفسر هذا النهوض النضالي الشعبي للاحتجاج على تردي الاوضاع العامة على شكل نضالات معظم الفئات الاجتماعية بدءا من العاطلين والمهمشين اصحاب المهن البسيطة وغير القارة وصولا الى احتجاجات الاطباء والأساتذة الجامعيين والمهندسين. ليس فقط الطبقة العاملة والكادحين هي التي تعرضت للنهب والتفقير بل حتى الفئات الوسطى تعرضت بدورها الى الخلخلة الاجتماعية وتم الرمي بفئات هامة منها الى أسفل السلم الاجتماعي حيث عمت احتجاجات هذه الفئات جل المدن الكبيرة والصغيرة شملت خريطة المغرب.
انضاف الى هذه الحركات الاجتماعية على خلفية القضايا الاجتماعية ظاهرة جديدة تمثلت في حراكات اندلعت بمناطق ما كان يسميه الاستعمار بالمغرب غير النافع. ففي هذه المناطق انعكست الازمة الاجتماعية بشكل مضاعف وذلك لعدة اسباب وعلى رأسها التهميش التاريخي الذي فرض عليها بشكل مدبر ومخطط له. فجل هذه المناطق المنتفضة اليوم كانت مناطق عصية على التغلغل الاستعماري فقاومته وهي آخر من انتزع منه السلاح. كان التهميش اذن سياسة انتقام من قبائل وساكنة تلك المناطق بهدف افراغها من شبابها وكل الاصوات المعارضة. تولد عن هذا التهميش انعدام ابسط البنيات الاقتصادية او متطلبات الحياة الكريمة ناهيك عن رغبة في تجريد المواطنات والمواطنين هناك من هويتهم وتاريخهم وثقافتهم أي كل اسباب اللحمة التي جعلت منهم قوة التصدي للغزو الاجنبي وخاصة منه الاستعماري.
لم تتوقف سياسة التهميش التاريخية عند هذا الحد، بل استفحلت الأوضاع مع دولة الاستقلال الشكلي التي اطلقت يد النهب والتسلط للمعمرين الجدد والسماسرة وأصحاب الريع السياسي والانتخابوي في تلك المناطق؛ هكذا توجهت الاطماع الى الارض بما تعنيه من الاستحواذ على ما بسطحها أو في باطنها من معادن ومياه.
لذلك كانت ميزة الحراكات المناطقية الجديدة ذات طابع مزدوج، ففي الوقت الذي تناضل من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإنها تعني ايضا وقف التهميش والحيف التاريخي والمطالبة بإحقاق الحقوق التاريخية وإعادة الاعتبار للثقافة والجهوية والهوية العميقة للساكنة الاصلية بما انها امازيغية لها الحق في الأرض واللغة وباقي الحقوق للساكنة كبشر اصحاب الارض.
فالحراكات الاجتماعية ببلادنا لا يمكن فهمها في شموليتها اذا لم نستوعب الاسباب الكامنة في مطالبها واهدافها وانها ذات بعدين متداخلين وهما البعد الاقتصادي الاجتماعي والبعد التاريخي المجالي والجهوي. ان من شان هذا الفهم ان يساعدنا على الانخراط المبدئي والراسخ فيها واعتبارها رافعة التغيير المنشود ببلادنا لوضع حد للتسلط الاستغلالي لكتلة طبقية سائدة وريثة دولة الاستقلال الشكلي تستغل وتنهب في المغرب “النافع” وتسطو وتنهب في المغرب “غير النافع”. دور القوى المناضلة هو التجذر والانغراس في تربة هذه الحراكات الاجتماعية تعزيز وحدتها وإشاعة التضامن بين كل الاشكال الاحتجاجية بروح تجميع القوى وصد الهجوم القمعي الذي تسلطه الأجهزة القمعية ضد طلائع هذه الحركات الاجتماعية.في الملموس يجب ربط حراك “اكال” بسوس بحراك “الريف” وبينهما بحراك “الهري” وهكذا دواليك حتى تنتصر قضايا الجماهير هناك وربط الجميع بالحركة النضالية للفئات الاجتماعية والطبقية بمختلف المدن. يجب ان تتحول التنظيمات المناضلة الى الاسمنت الذي يربط ويوحد ويشحذ موازين القوى. عدم الالتزام بذلك أو التشويش عليه يعرض تلك القوى الى المحاسبة الشعبية ثم اللفظ والمقاطعة.