زحف الرأسمال الأجنبي على التعليم العالي بالمغرب استهداف للسيادة الوطنية
عبد الحق الوسولي
زحف الرأسمال الأجنبي على التعليم العالي بالمغرب استهداف للسيادة الوطنية
1- مقدمة
على غرار القطاعات الحيوية، كان قطاع التعليم عموما وقطاع التعليم العالي خصوصا من بين القطاعات الاجتماعية المستهدفة بسياسة التقشف، المملاة من طرف الدوائر المالية الامبريالية في بداية الثمانينات، مما أدى إلى انخفاض دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية الحيوية مثل التعليم والصحة.
إن إشكالية السياسة التعليمية في المغرب إشكالية تاريخية وسياسية ملازمة لطبيعة النظام السياسي الاستبدادي التبعي للإمبريالية الغربية، ويعكس في جوهره الصراع بين مشروعين تعليميين متناقضين: مشروع النظام المخزني وهو مشروع يسعى إلى تأبيد التبعية للإمبريالية الغربية ويستهدف في العمق السيادة الوطنية، ومشروع القوى التقدمية، الديمقراطية والوطنية، وهو مشروع يدافع على تعليم وطني، حداثي، ديمقراطي، موحد، جيد ومجاني لجميع المغاربة. إن معركة إصلاح التعليم جزء لا يتجزأ من معركة استكمال مهام التحرر الوطني والسيادة الوطنية. فالسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: هل سياسة تشجيع خوصصة التعليم العالي ببلادنا تهدف إلى تحقيق السيادة والتحرر الوطني وخدمة المواطن المغربي، أم تخدم الكتلة الطبقية السائدة وكيلة الإمبريالية الغربية وترهن البلاد في يد المعمرين الجدد وبالتالي استهداف السيادة الوطنية والتحرر الوطني؟
2- التخريب الممنهج للتعليم العالي العمومي وتشجيع الخوصصة
إن نتائج تدمير التعليم العالي العمومي، والسعي للمزيد من الخوصصة التي انطلقت بشكل تدريجي، ومتواتر منذ بداية الثمانينات نلاحظ فصولها الأخيرة حاليا والمتمثلة في الإصرار والتمادي في الخوصصة المفرطة للتعليم العالي بالمعاهد والجامعية المتخصصة وكليات الطب…
هذا في الوقت الذي كانت فيه نسبة التعليم الخاص العالي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جدا في عقدي الستينات والسبعينات، أصبح القطاع الخاص يشكل مكونا أساسيا بمنظومة التعليم العالي وفق آخر الإحصائيات الرسمية.
فعدد الطلبة بالتعليم العالي الخصوصي انتقل من 43 ألف و616 في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 57 ألف و222 برسم الموسم الدراسي 2020-2021 وإلى 62 ألف و600 طالبة وطالب يرسم الموسم 2021-2022، إذ بلغ عدد المسجلين الجدد برسم الموسم الدرلسي 2021-2022 24 ألف و735 طالب وطالبة حسب إحصائيات الوزارة المعنية بموقعها الرسمي بعنوان التعليم العالي في أرقام.
وسجل ارتفاع مؤسسات التعليم العالي الخصوصي ارتفاعا ملحوظا بالنسبة للجامعات المحدثة في إطار الشراكة، حيث انتقلت من 27 جامعة في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 37 برسم الموسم الدراسي 2021-2020 و39 برسم الموسم 2021-2022. وقد انتقل عدد الجامعات الخاصة من 22 جامعة في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 24 في الموسم الدراسي 2021-2022. وبالمقابل عرف عدد المؤسسات الخاصة الغير التابعة للجامعات الخاصة تراجعا، فقد انتقلت من 150 في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 137 في الموسم الدراسي 2020-2021 و132 في الموسم الدراسي 2021-2022 نتيجة لوفرة وتنوع العرض لدى الجامات الخاصة وكذلك منح المعادلة للشهادات المحصل عنها من الجامعات الخاصة بالشهادات الممنوحة من طرف التعليم العالي العمومي.
إن الدولة لا تملك سيطرة تُذكر على قطاع التعليم العالي الخاص، حيث أنّ الرسوم الدراسية والمقررات في المؤسسات الخاصة غير خاضعة للتنظيم ولا تتم مراقبتها. وما زاد الوضع سوءاً، هو وجود استثمارات في قطاع التعليم العالي الخاص من قبل الكتلة الطبقية السائدة المتحكمة في القرار الساسي والاقتصادي والجامعات والمعاهد التابعة للدول الإمبريالية الغربية، ممّا قد يؤثر سلبا على الهدف الأسمى من التعليم العالي والبحث العلمي، ألا وهو خدمة مصالح الشعب المتمثلة في التقدم والازدهار والعيش الكريم والتحرر الوطني من التبعية وهيمنة الرأسمال الأجنبي والطفيلي المغربي على الاقتصاد الوطني. كما أدّى الافتقار إلى إطار تنظيمي لمراقبة القطاع الخاص إلى زيادة مشاركة صناديق الاستثمار الأجنبية والجهات الفاعلة الدولية في نظام التعليم المغربي، وغالباً ما يكون ذلك لأغراض ربحية، وموجه لخدمة مصالح الكتلة الطبقية السائدة والشركات المتعددة الجنسيات. كما أننا نجد مع الأسف الشديد أن جزء كبير من التعليم العالي الخاص أصبح سلعة لا يهم المستثمرون فيه إلا الربح السريع إذ أن كل طالب يتابع دراسته في هذه المؤسسات فإنه يحصل على الشهادة بغض النظر عن مؤهلاته العلمية والمعرفية.
إنّ التعليم العالي الخاص الموجه إلى أبناء الطبقات الميسورة أدى إلى نظام تعليمي متوازي متعدد السرعات بحيث يختبر الطلاب من خلاله قيماً مختلفة ويعيشون في “مغرب” مختلف ويسلكون مسارات مختلفة قد لا تتقاطع أبداً، ونتيجة لذلك، يتفاقم الظُلم والإقصاء الاجتماعي، ولم يعُد يعتبر التعليم حقّاً ومصلحة عامة يجب الحفاظ عليها وإنّما أقرب إلى سلعة تخضع للعرض والطلب مما عمق الفوارق الطبقية والأخطر من ذلك أنه أنتج وأجج الحقد الاجتماعي بين فئات المجتمع.
3- العواقب السلبية لخوصصة التعليم العالي ورهنه في يد المستثمرالأجنبي.
إن السياسة التعليمية ببلادنا المتبعة هي سياسة طبقية بامتياز. فهناك جامعات للكتلة الطبقية السائدة والتي تهدف إلى إعادة إنتاج النخب القادرة على التفكير والمحافظة على امتيازاتها الطبقية وهذا بالطبع متاح فقط لأبناء الأغنياء (الجامعات والمدارس الخاصة المرتبطة ارتباطا كليا أو جزئيا بالجامعات والمعاهد الأجنبية وخصوصا الإمبريالية الفرنسية)، بالمقابل تعليم عالي عمومي لأبناء عموم الشعب والتي كانت على الأقل حتى حدود السبعينات وسيلة للترقي الاجتماعي وهذا لم يكن أن يتم إلا بفضل تضحيات نساء و رجال التعليم ومقاومتهم للسياسة الطبقية اللاشعبية واللاوطنية للنظام، لكن ومنذ نهاية السبعينات أصبح الهدف من الجامعة العمومية هو محاصرة العقلانية والفكر التحرري والنقدي وبالمقابل شل العقل عن التفكير وإعداد يد عاملة مؤهلة تكون في خدمة الكتلة الطبقية السائدة والشركات المتعددة الجنسيات و بأجور متدنية لكنها غير قادرة على الإبداع والتفكير.
إن خلل اللامساواة واللاديمقراطية لم يصب فقط المنظومة التعليمية بل إنه أحدث شرخا واضحا في المجتمع المغربي، مما أدى إلى تفشي الحقد الاجتماعي من جهة واعتبار المواطنين غرباء في وطنهم. إن سياسة النظام المخزني النيوليبرالية في التعليم العالي، كرست وقننت الإجهاز على التعليم العالي العمومي وإخضاعه لسطوة رأس المال، خاضع لتحكم متطلبات المقاولات الرأسمالية تحت عنوان المرونة والقابلية للتشغيل (التشغيلية) كموجهين أساسين لأهداف التعليم والبحث العلمي ومضمونه، خادم لمنظور تنموي يفتح البلد فريسة للاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي ستعمق التبعية للإمبريالية الغربية وتضرب في العمق السيادة الوطنية ورهنها في يد الإمبريالية والصهيونية.
4- خلاصة
استنادا لما سبق فواقع التعليم في ظل نظام تبعي لا يمكن له إلا أن يكون تعليما طبقيا بامتياز يخدم مصالح النظام المرتبطة بمصالح الإمبريالية والصهيونية. فكما أشرنا سابقا فإن التعليم العالي العمومي المتاح لأبناء الشعب يجب أن ينتج في أحسن الأحوال يد عاملة مؤهلة تكون في خدمة الرأسمال الطفيلي والكتلة الطبقية السائدة والرأسمال الأجنبي. أما أبناء الطبقة السائدة فلهم التعليم الخاص وخصصا الأجنبي والدراسة في الجامعات والمدارس الغربية وهؤلاء هم أطر المستقبل والذين سيتحكمون طبعا في السياسة والاقتصاد ويكونون في خدمة الإمبريالية الغربية والصهيونية والرجعية وبطبيعة الحال فالمستهدف الرئيسي هو السيادة الوطنية والتحرر الوطني.