السودان: الحشد الأكبر وذكرى الاستقلال
الحشد الأكبر وذكرى الاستقلال
- 24 ديسمبر 2019
بقلم : تاج السر عثمان
كانت مواكب 19 ديسمبر احتفالا بالذكرى الأولي لثورة ديسمبر 2018 هادرة، بل كانت أكبر المواكب منذ اندلاع ثورة ديسمبر، شملت المواكب: الخرطوم بمدنها الثلاث، مدني، سنار، الدمازين، كسلا، القضارف، بورتسودان، الأبيض، كوستي، عطبرة، ولايات دارفور، مدن الولاية الشمالية..الخ، وفي عطبرة احتشد الآلاف لاستقبال القطارات القادمة من الخرطوم ومدني في مواكب مهيبة وكرم فياض في استقبال الضيوف عبر عن كرم عطبرة الذي أشار اليه المثل: “عطبرة أم دالات رباية اليتامى ومقنعة الكاشفات”، وابلغ وصف لضخامة المواكب وصف ثوار عطبرة لها بيوم “الحشد الأكبر”، والتي تميزت بالآتي:
– لم تكن رد فعل لموكب ما يسمي بـ”الزحف الأخضر” الهزيل مدفوع الأجر، بل كان تعبيرا عن اصرار ثوار ديسمبر علي مواصلة الثورة حتى تحقق أهدافها، وانجاز مهام الفترة الانتقالية بنجاح، والقصاص للشهداء، وتحقيق السلام العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة، والضغط علي الحكومة للاسراع في تنفيذ مطالب الثورة وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، رغم شكر الحكومة الانتقالية علي الشروع في تفكيك التمكين “بل الكيزان”، كما عبرت الهتافات مثل : القصاص للشهداء، الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية، محاسبة الفاسدين، ضد المتاجرة بالدين في اول موكب للزحف الأخضر كما جاء في الهتاف “الكيزان الكضابين أول موكب سبو الدين”، ومطالبة حمدوك بوضع كل الكيزان المشاركين في مجزرة فض الاعتصام في “فتيل”، كما جاء في شعارات مواكب عطبرة، وفيها تمّ حرق مجسم للمؤتمر الوطني المحلول أمام مركز الحزب الذي تمّ حرقه قبل عام من الثوار، الخ.
– تزامن الحشد الأكبر في ذكرى تحرير البلاد من “الكيزان” مع الذكري 64 لاستقلال السودان من داخل البرلمان، عندما أتخذ البرلمان في جلسته رقم “43” يوم الأثنين 19 ديسمبر 1955 قرارا بالإجماع نص على إعلان الاستقلال، بعد اقتراح قدمه النائب السيد عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة.
كان ذلك نتاجا لتراكم نضال طويل خاضه الشعب السوداني منذ هزيمة الدولة المهدية، وإعلان دولة الحكم الثنائي الانجليزي – المصري عام 1898، بدأت مقاومة الشعب السوداني بانتفاضات القبائل في جنوب السودان وجبال النوبة، والانتفاضات الدينية في أواسط وشرق وغرب السودان والتي كانت مستمرة في السنوات الأولى للحكم الثنائي، وبعد الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1926 حيث تم إخضاع آخر القبائل الجنوبية المتمردة (التبوسا)، وعام 1929 عندما تم قمع المعارضة نهائيا بقمع الليرى في جبال النوبة، وقبل ذلك كان إخضاع دار فور بهزيمة السلطان على دينار عام 1916.
بعد ذلك ظهرت أشكال وأساليب جديدة مثل : قيام الجمعيات والاتحادات السرية ” الاتحاد السوداني، اللواء الأبيض “، وتأسيس الأندية الاجتماعية “أندية الخريجين، وأندية العمال والثقافية والرياضية “، وظهرت أساليب نضالية جديدة مثل : المنشورات والكتابة في الصحف، والخطب في المساجد، وانتفاضات وتمرد الجنود السودانيين “تمرد الأورطة السودانية 1900، ومقاومة العسكريين المسلحة في 1924″، و ثورة 1924، والجمعيات الأدبية والثقافية التي تكونت بعد هزيمة ثورة 1924 “جمعية أبى روف وجمعية الفجر” وظهور مجلتا “النهضة السودانية” و”الفجر”. اضرابات العمال من أجل تحسين الأجور وشروط الخدمة، واضراب طلاب كلية غردون 1931، وتكوين مؤتمر الخريجين عام 1938، ومذكرته الشهيرة عام 1942 التي طالبت بتقرير المصير، وتكوين الأحزاب بعد الحرب العالمية الثانية، وانتزاع الطبقة العاملة لتنظيمها النقابي “هيئة شؤون العمال” عام 1947، وقانون النقابات لعام 1948 التي قامت علي أساسه النقابات وتم تكوين اتحادات العمال والمزارعين والطلاب والشباب والنساء والمعلمين والموظفين التي لعبت دورا كبيرا في معركة الاستقلال، وظهور الصحافة التي لعبت دورا كبيرا في الوعي، وحركة الدفاع عن الحريات والسلام.
كما قاومت الحركة الوطنية والجماهيرية محاولات الاستعمار لامتصاص المد الجماهيري بإحداث اصلاحات دستورية وتغييرات شكلية تبقي علي جوهر النظام الاستعماري والسلطات المطلقة للحاكم العام مثل : المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943، والجمعية التشريعية عام 1948، ومحاولات تكوين “لجان العمل” في الورش لتفتيت وحدة العمال في السكة الحديد التي رفضها العمال وطرحوا البديل عنها “النقابة” التي توحد العمال والفنيين.
هذا التراكم النضالي أدي في النهاية لتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953 التي كانت نتاجا لنضال الشعب السوداني ، ونتج عنها تكوين أول برلمان سوداني في نهاية عام 1953، مما فتح الطريق لتوسيع النضال الجماهيري من أجل إلغاء القوانين المقيدة للحريات مثل : قانون النشاط الهدام الذي تم إلغائه في جلسة مجلس النواب المنعقدة مساء الثلاثاء 30 /3/ 1954، والتمسك بوحدة البلاد والتنمية المتوازنة، وتوسيع التعليم وزيادة ميزانيته، وتمّ تكوين الجبهة الاستقلالية من مندوبي حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي والجبهة المعادية للاستعمار وشخصيات مستقلة وعمالية والتي اتفقت علي الاستقلال التام، وكفالة الحريات وعدم ربط البلاد بالأحلاف العسكرية ومعونات الدول التي تؤثر علي سيادتنا. تواصل النضال حتي كانت الجلسة التاريخية التي أعلن فيها الاستقلال من داخل البرلمان.
– أكدت مواكب الحشد الأكبر أن ثورة ديسمبر امتداد وتعبير مكثف لنضال الشعب السوداني منذ الاستقلال من أجل الديمقراطية والسلام والسيادة الوطنية ، وثورة أكتوبر وانتفاضة مارس- أبريل 1985، وأن نار الثورة ما زالت مشتعلة ، وأن الجماهير قابضة علي جمر أهداف ثورة ديسمبر ، ومصممة علي تحقيقها كما في :
* القصاص للشهداء ومتابعة المفقودين.
* الحكم المدني ورفض الحكم العسكري.
* التفكيك الكامل للتمكين، واستعادة كل الأموال المنهوبة، وإعادة النظر في كل الاتفاقيات الخاصة بالأراضي التي تصل مدة ايجارها 99 عاما، لضمان حق أصحاب المصلحة من الرعاة والمزارعين، وتنمية المناطق المحلية.
* السلام العادل والشامل بعيدا عن المحاصصات والذي يقوم علي : تسليم البشير والمطلوبين للجنايات الدولية، وعودة النازحين لقراهم وتعويضهم، والتنمية المتوازنة، واشراك أصحاب المصلحة من النازحين في المعسكرات وجماهير مناطق الحروب في المفاوضات، وقيام دولة المواطنة غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة، واطلاق سراح كل المحكومين ورفع حالة الطوارئ، وحل كل المليشيات “دعم سريع، مليشيات الكيزان، وجيوش الحركات. الخ” وفقا للترتيبات الأمنية التي تحقق قومية القوات المسلحة، وجمع كل السلاح في يدها، وقيام المؤتمر الدستوري.
* إلغاء قانون الأمن و كل القوانين المقيدة للحريات، والقانون الجنائي والعودة لقوانين 1974 بعد تنقيحها.
* رفض تدخل الدولة في النقابات، وإلغاء قانون نقابة المنشأة ،والعودة لنقابة الفئة، علي أن تقوم الجمعيات العمومية بتكوين اللجان التمهيدية ولجان تسيير النقابات، والعودة لقانون 1987 لحين إجازة القانون الجديد للنقابات، وتأكيد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، واستقلالية وديمقراطية لجان المقاومة في الأحياء ومجالات العمل والدراسة، باعتبار أن الثورة نقابة ولجان مقاومة.
* تحسين الأوضاع المعيشية، وتفكيك سيطرة الرأسمالية الطفيلية علي السوق والبنوك، ووقف التهريب، وعودة كل شركات الجيش وعناصر المؤتمر الوطني للمالية، ودعم الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، وتقوية الصادر، والجنية السوداني ، وتوفير العمل للعاطلين وضمان مجانية التعليم والخدمات الصحية، ورفض توصيات صندوق النقد الدولي لرفع الدعم عن السلع الأساسية وتخفيض العملة، وتحكم الدولة في فوضي تجارة العملة، والتهريب، وغسيل الأموال. الخ.
* سياسة خارجية متوازنة لمصلحة شعب السودان ، والخروج من محور حرب اليمن وسحب قواتنا منها، واستعادة كل أراضي السودان المحتلة (حلايب، شلاتين، الفشقة. الخ).