زلزال المغرب المنسي، من المسؤول؟

زلزال المغرب المنسي، من المسؤول؟

قضى جزء كبير من المغاربة ساكني منطقة حوز مراكش وأزيلال وتارودانت ليلة الجمعة 8 شتنبر ليلة حزينة وباتوا مكلومين في العراء من شدة هول الزلزال الذي فاجأ الجميع. هزات أرضية كان مركزها في جماعة “أداسيل” بحوز مراكش وانتشرت قوتها بالتدرج من قوة 7 درجات على سلم ريختر لتمتد إلى مدن وقرى ودواوير بأقاليم مراکش، تارودانت، ورززات، شيشاوة، أزيلال… ثم إلى اهتزازات في باقي الجهات بقوة خفيفة من المحيط القريب من المركز، ومع ذلك ظل المغاربة في مدن الوسط والجنوب والشرق الغرب خارج البيوت يترقبون ويستفسرون عما وقع وما نتائج ذلك؟

كان الأمر يتعلق بكارثة طبيعية تتمثل في زلزال قوي خلف المئات من الضحايا والجرحى والمفقودين لا تزال عملية إحصائهم جارية حتى اليوم وانهيارات واسعة للمنازل والبنية التحتية المنعدمة أو المهترئة أصلا.

فالمصاب جلل! الفقد مؤلم! وعزاؤنا واحد … غير أننا بصدد حدث/فاجعة بالغ الأهمية من حيث المسؤوليات التداعيات وخلفيات تناوله في كل أبعاده.

من البديهي جدا أن كل العالم معرض اليوم أكثر من أي وقت مضى للأخطار البيئية وفواجع الكوارث الطبيعية، واحتمالاتها واردة بحظوظ متفاوتة حسب المواقع الجغرافية، غير أننا لا نكاد تذكر بلدا واحدا في منأى عن احتمالات الانجراف تحت وطأة حراك متطور للطبيعة في تكوينها وتوازنها. غير أن هذا لا يعفي الدول من مسؤولياتها ولا يلغي الأخذ باللازم من الإجراءات الاحترازية وقد تطورت العلوم في تقنيات الرصد والتنبؤ في حدود مهمة رغم صعوبة ذلك بالنسبة للبراكين والزلازل…

إن مسؤولية الدول ثابتة ولا يمكنها التحلل من واجبها بالرجوع إلى مضامين البروتوكول الدولي لمواجهة الكوارث الطبيعية من خلال الإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث الطبيعية بخصوص التأهبات اللازمة للمواجهة والعمل وفق مركز للتنسيق واعتماد شبكات للحد من المخاطر واصدار المنشورات الخاصة بالممارسة الجيدة للحد من الكوارث وآثارها. وفي نفس الاتجاه أصدر الاتحاد الدولي الجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر توصيات أهمها لا الحصر:

على الدول المتضررة أن تقرر بطريقة آنية ومناسبة إذا كانت تطلب أو لا تطلب الإغاثة من الكارثة والمساعدة الأولية للإنعاش وبإرسال قرارها بشكل فوري ثم توصية خاصة بنشر أصول وموارد عسكرية للإغاثة في حالة الكارثة أو تقديم المساعدة الأولية للإنعاش بناء على طلب أو بموافقة صريحة من الدولة المتضررة…).

وبالنسبة للدولة المغربية فقد التزمت من خلال دستورها في الفصل 40 بما يفيد: “على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد. وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”.

على عكس ما هو مدبج في التشريعات الدولية والمحلية على علاتها لم يشهد أحد على أي تدخلات ملموسة للدولة بإعلامها ونظامها السياسي بمختلف المراتب. كما أننا لا نعلم أنها وقفت في عين المكان ولو المواساة الضحايا ونقل الجثامين التي تحللت تحت أشعة الشمس الحارقة أو حتى التبليغ عن المخاطر. بل قضت ليلتها هادئة في أبراج وملاهي ترفل في النعيم، بينما الشعب في وادي الدماء يقضي ساعات ليلة في الجحيم. وجب الاعتراف أن التحركات كانت إلى عين المكان بعدما صدحت القنوات التلفزية العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي وما وزعته من نداءات المنكوبين وفيديوهات تدخل السكان بوسائلهم اليدوية وهم يحاولون إنقاذ من يمكن إنقاذهم.

دولتنا نزلت إلى عين المكان بعدما قضي الأمر وباعتماد هواجس أمنية كأنها تريد الانقضاض على “متظاهرين” كما اعتادت على ذلك. بالتأكيد أنها لا تتوفر على وسائل إنقاذ متطورة ولا على تقنيين وخبراء التدخل في مثل هذه الكوارث، والمخيف أنها تسترخص أرواح بنات وأبناء الشعب المفقر فيما تبقى من الهامش ومن المغرب المنسي. “دولتنا” جعلت المغرب نموذجا من “الشعب المتخلى عنه” فكانت الفضيحة كافية لتجعل المغرب يحظى باهتمام عالمي غير مسبوق.

وفي المقابل، لم يترك الشعب المغربي مجالا للشك في الاعتماد على تضامنه وتكافله وإمكانيته الهائلة في تنظيم ذاته لمواجهة كوارث الزلزال كما واجه جائحة كورونا وكما هو صامد أمام النظام المخزني. لم يبق سوى التذكير بضرورة حشد كل الطاقات النضالية والشعبية للقضاء على المخزن وبناء البديل الديمقراطي الذي يجنب المغرب كوارث طبيعية وسياسات طبقية مدمرة.